قبل فترة طالعنا الدكتور غازي القصيبي الذي يحرص دائما عندما يرد على احد ان يكتب اخوك «غازي القصيبي» ويلغي كلمة «معالي - وزير - دكتور».. وقال في عنوان عريض «ان تنقطع الكهرباء في منطقة جازان فهذا عار» عندما انقطعت الكهرباء عن جازان قبل فترة في جريدتنا المفضلة الجزيرة والحقيقة انني لم امر عليها مرور الكرام بل استوقفتني كلمة معاليه وكم كنت فرحاً بمثل هذه العبارة التي تصدر من هذا المسؤول الذي تخلى عن الألقاب وتجرد منها.
ولم يكتفى وزيرنا وأديبنا لم يكتف بذلك بل هاهو يطل علينا مرة اخرى في عبارة اقوى تأثيراً عبارة توغلت في القلوب.. اخترقت كل الحواجز بكل ما تحمل من قوة، عبارة فيها التواضع الجم والاعتراف بالالم وفيها تمني وفيها عهد وانجاز خلال فترة زمنية، وبعد هذا كله احزننا برحيله اذا لم يقدم لنا الماء الذي نطلبه حتى في الصحراء معترفا بأن المسؤول رغم القاب التفخيم والتعظيم والمبنى المفخم والمكتب الشاسع لا يستطيع حفر بئر واحدة بدون اعتماد.. يا له من انهزام مشاعر قوي امام طلب مواطن، هكذا الانصاف من النفس هكذا الاعتراف بأن التقصير وارد والابتعاد عن التبرير.
حقا علينا ان نعذرك بعد هذا كله.. مدعما ذلك بالمثل الغربي الطريف كما يقول «على الذي لا يتحمل الحرارة ان يغادر المطبخ» حقا علينا ان نعذرك ونتحمل العطش فترة بسيطة حتى تفي بوعدك كم شدتني هذه المقالة وكم اعجبت فيها فهي مائية ادبية كما هو مكتوب قائلا فيها معترفا فيها معلنا فيها موضحا فيها مصارحا رسالة تحمل من الشفافية الكثير والكثير تحمل من الشعور بالمسؤولية العظيمة الكثير.
كم كنت معجباً بتلك الرسالة ومهنئاً لهذا الوطن بوجود رجال مثل هذا الرجل فما اكثرهم.. مباركا لهذه الوزارة بوجود رجل يعمل بأعلى هرمها ويرتب على ظهور زملائه ويقول بهممكم سوف يكون هناك بجوار اكبر محطة تحلية مياه بالعالم محطة اضخم منها ويطلب الصبر منا خلال اقل من ثلاث سنوات.. نعم كان هذا هو عنوان رسالته الجميلة التي هي عذبة بكلماته كعذوبة المياه التي وعدنا فيها كانت بسيطة وقابلة للفهم العام بصورة واضحة خرجت من حنجرة رجل «اديب شاعر - وزير».. رجل اختارته قيادتنا الحكيمة .. فكيف لا نفخر هل وجدنا وزيراً يعترف ويقول «على الوزير المسؤول عن الماء ان يؤمن الماء لطالبيه او ان يرحل غير مأسوف عليه»!! عجبا وزير يعطي نفسه مهلة في وقت زمني وبعدها اذا لم يوفر ما نحتاجه فسوف يرحل.
يا للهول هذه العبارة التي امتازت بالشفافية تحمل بين كلماتها وحروفها الكثير اذا فكينا رموزها فهي تصور مدى التأثر الذي لحق فيه من رسالة كاتب ويتأملها ويقول هذه الرسالة تجاوزت الهاتف والمقعد والطاولة والسكرتير واليافطة الكبيرة حتى دخلت الى قلبه هذا الوزير فهو يحمل قلبا هشا لا يتحمل مثل هذه الرسائل، قلبا عطوفا.. بعد هذه الرسالة يعترف ويقول للوزراء قلوب خلاف ما نتصور.. يا للعجب .. ايضا نحن تأثرنا تأثرا اشد من تأثرك عندما اطلعنا على ردكم المرصع بعبارات مؤثرة للغاية.. ونقول لنا مشاعر لا تتحمل مثل هذه الرسالة فرسالتكم نبعت من قلب شاعر ووزير فكيف لا تؤثر فينا لقد ارويتنا كلاما جميلا قبل ان تروينا ماء حلوا يا صاحب الكلام الحلو..
حملت لنا الامل ووعدتنا واعطيت نفسك مهلة بعد ثلاثة اعوام اذا لم توفر لنا الماء فسوف ترحل غير مأسوف عليك.. لا سوف نأسف على رحيلك .. لاننا فرحنا بقدومك بعد ان غبت عن اعيننا سنين طويلة في دهاليز الغربة رغم انك لم تغب عن قلوبنا.. اعترافك جعلنا نرى انفسنا اقزاماً امام رجل عاش قروناً من التجارب القيادية.. قال المشوار ليس سهلا وقصيراً بل يجب ان نتعاون لوقف الهدر.. تطلب منا ذلك كيف لا نلبيه.. حقا سوف نتعاون ونوقف هدر المياه.. حسنا الماء جوهرة ثمينة كما قلت وانتم اثمن من الماء.
فحقا لقد اعطيتم ملكة الادب وفنه.. جميل جميل ان نجد اعترافاً من وزير .. هكذا الاعتراف يأتي وما اصعب الاعترافاً دائما ولكنه امام مثل هؤلاء يكون سهلا وممتعا لهم.. فها أنتم تعترفون بأن رحيلكم لن يكون مأسوف عليه.. فمن يعترف بمثل هذه الكلمات ليس رحيلاً فقط بل يتبع الرحيل عدم حنين على من رحل ولا تأسف.. فيا لها من قوة اعتراف وليس اي اعتراف.. بل اعتراف صعب وهل يوجد شخص على وجه الدنيا يتمنى الوداع والرحيل.. قليلون هم اولئك الذين يتمنونه وتجد لهم شعاراً يختلف عن غيرهم.
مناور بن صالح الجهني - الأرطاوية
|