* الرياض - الجزيرة:
يعقد اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري فعالياته بعنوان: «الغلو والاعتدال.. رؤية منهجية شاملة»، يشارك فيه نخبة من العلماء وثلة من المفكرين المختصين، وذلك في العاصمة المقدسة، مكة المكرمة خلال الفترة من (5-9 ذوالقعدة 1424هـ/ يناير 2004م).
صرح بذلك معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصيّن، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف ورئيس اللقاء الوطني للحوارالفكري، الذي أضاف أن جهود اللجنة التأسيسية وكذا اللجان العاملة بإشراف من الأمانة العامة لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، قد أثمرت بحمد الله عن توقيع اللمسات النهائية لإعداد اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري، مشيراً إلى أن هذا اللقاء هو التجربة التطبيقية الثانية في عملية بناء وترسيخ فكرة الحوار، بهدف وجوده أسلوباً للحياة، وتقليداً ثابتاً من تقاليد المجتمع السعودي، بعد أن تم الاقتناع بفعاليته قناة موصلة للتعبير الحر المسؤول، الذي يعتبر ضرورة أولية للتعرف على الحقائق، والوعي بها، وتبين الطريق في مجال الإصلاح.
وأوضح معاليه، أن اللجان التأسيسية العاملة في مركز الملك عبدالعزيز للحوارالوطني، أجمعت على أن تكون الأولوية في الاختيار بين الموضوعات المرشحة لهذا اللقاء، واللقاءات اللاحقة موضوع «الغلو والاعتدال» مبيناً أنه تم الاختيار إدراكاً من اللجان العاملة أن الغلو والتطرف - على مستوى العالم- لم يبلغ خطره في عصر من العصور ما بلغ في هذا العصر.
وقال: وليس أدل على ذلك من أن يعلن منظّر ثقافة معينة أنها نهاية التاريخ، وأن قيمها حق مطلق، لا مجال لاجتهاد الإنسان الحر فيه. وأن ذلك يبرر أن تفرض على الآخر باستخدام أحدث وأعتى التقنيات الحربية والإعلامية والاقتصادية. وليس أدل على ذلك من أن يكشف مركز من مراكز البحث العلمي في بلد متحضر، أن 31% من سكانه البالغين، يؤمنون بأن خلاصهم مشروط باشتعال حرب شرسة مقبلة، يُباد فيها من أعدائهم مائتا مليون إنسان! وليس أدل على هذاالخطر، وعلى تأثيره البالغ في إطلاق العنان للغريزة العدوانية في الإنسان، من أن البشرية في المائة سنة الأخيرة، عانت من مآسي الحروب والمظالم، وانتهاك حقق الإنسان، مالم تعاني مثله في كل عصور التاريخ.
وقال معاليه: وإدراكاً من اللجان العاملة أن مواطني هذا البلد العزيز كلهم يؤمنون بالإسلام الذي يدور (كما يصفه العلماء) على أمرين: الإخلاص للحق؛ ورحمة الخلق. وإدراكاً منها بمبلغ عناية القرآن الكريم بالإنذار عن التطرف والغلو والإسراف، حيث تكرر في زهاء ستين آية، ومبلغ اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالإنذار عنه، مشيراً أن هذا الاهتمام الذي ظهر في أن يخص الفرقة التي تميزت بالغلو والشذوذ، من بين الفرق الكثيرة المنحرفة عن الإسلام بذمّها والتحذير منها؛ وإدراكاً منها أن الأمّة التي وصفها الله بالوسطية تتحمل مسؤولية خاصة في مقاومة التطرف والغلو، وما ينتجه من فساد في الأرض وتخريب وإرهاب، بعد أن مكّنت العولمة لوبائه من الانتشار.
وأردف معاليه بأن أوراق العمل التي أعدّت للقاء الثاني والتي حررت من قبل الخبراء المختصين، شملت علاج الموضوع من النواحي السيكولوجية، والاجتماعية، والتربوية والسياسية والاقتصادية..، كما عبّر عن أمله في أن تكون نتائج الحوار في اللقاء الثاني منطلقاً علمياً لظهور رؤية واضحة متوازنة في هذا الخصوص.
وقال معاليه: إنه منذ الانتهاء من فعاليات اللقاء الوطني الأول للحوار الفكري، التي توجت صدور الموافقة السامية لخادم الحرمين الشريفين على إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني؛ تواصلت اجتماعات اللجان العاملة دون توقف؛ للعمل على مسارين: الأول التحضير والإعداد لفعاليات اللقاء الثاني بالتوجيه الكريم لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني حفظه الله، والمسار الثاني: وضع الخطط والاستراتيجيات واللوائح والتنظيمات واختيار المقر المناسب وتجهيزه وتأثيثه لتحقيق أهدافه السامية، ويؤدي بإذن الله دوره المأمول في ترسيخ الوحدة الوطنية وتعميقها في وطن أُسس على قواعد هذه الوحدة، وأركانها القويمة، مشيراً إلى أن الحوار في جوهره مدعاة لتحقيق التلاقح في وجهات النظر والآراء بما يؤدي إلى تفعيل الطرائق الحميدة المقضية إلى إبعاد هذا الوطن عن رياح التشدد والغلو في زمن بدأ يعج بحركات غير سوية وخطيرة في العالم الإسلامي، تحرّف تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة، وتناقض مقاصدها.
من ناحيته، أوضح المستشار في ديوان سمو ولي العهد، والأمين العام على مركز الملك عبدالعزيز للحوارالوطني، الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، أن الأمانة العامة لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني تخطط لوضع استراتيجية سنوية لأعمال المركز على مدارالعام يشارك في إعدادها مجموعة كبيرة من العلماء والمفكرين والمثقفين في المملكة؛ ليسهم في ترسيخ مفهوم الحوار من خلال عقد اللقاءات وطرح أوراق العمل وإجراء البحوث المتخصصة في هذا الخصوص، آملاً أن يسهم كل ذلك في توسيع دائرة الحوار بإشراك شرائح أكبر وطبقات متنوعة من المجتمع ومن كافة الفئات.. ليصبح «الحوار» حالة يمارسها المجتمع برمته وأسلوب حياة للإقناع والاقتناع وأن يسري بكل أسسه التي يحددها ديننا الإسلامي الحنيف ليغطي كافة جوانب المجتمع ويدخل في كل مؤسساته، مشيراً إلى مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي يجسد حرص خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني، واهتمام الدولة ورعايتها وحرصها على أن يكون الحوار هو الطريق للوصول إلى كل ما يخدم الوطن والمواطن.
ولفت سعادته إلى أن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني حفظه الله أوضح بجلاء كيف يكون الحوار منطلقاً لهذا الإنجاز والعمل حين أشار في كلمته الضافية إلى أن مركز الملك عبدالعزيز للحوارالوطني سوف يكون إنجازاً تاريخياً في إيجاد قناة للتعبير وأداة فاعلة في محاربة التعصب والغلو والتطرف كما أنه يعمل على توفير بيئة نقية تنطلق منها المواقف الحكيمة والآراء المستنيرة التي ترفض الإرهاب والفكر المنحرف.
وعن فعاليات اللقاء الوطني الثاني للحوارالفكري، أوضح ابن معمر أنه يأتي تواصلاً مع قضايا اللقاء الوطني الأول للحوارالفكري الذي أوصى بالاستمرار في البحث والدراسة والمناقشة في تناول بعض محاور مهمة بالاستعانة بالبحوث والدراسات وتحليلات المضامين في ضمن جلساته العشر؛ التي أوصت بدراسة ظاهرة الغلو وأسبابها الفكرية والمادية واقتراح الحلول المناسبة؛ ووضع تعريف للوسطية متفق عليه أيضاً، للخروج بأسس الخطاب الإسلامي، تفند الغلو والتشدد وتحذّر منه بطريقة ملائمة، تُناقش في وسائل الإعلام ومناهج التعليم.
وعن المحاور التي سيناقشها اللقاء، قال ابن معمر: راعت اللجان التأسيسية والتحضيرية، والأمانة العامة للمركز الأبعاد الشرعية والنفسية والاجتماعية والتربوية؛ والإعلامية؛ والاقتصادية والسياسية للخروج برؤية منهجية متكاملة وشاملة عن الغلو والاعتدال، مشيراً أن المحور الشرعي يتضمن دراسة في المفاهيم والمصطلحات لظاهرة الغلو في الكتاب والسنة..؛ ثم إشكالية الغلو من نظرة شرعية شاملة؛ ومظاهر الغلو المعاصرة: في التفكير؛ والولاء والبراء؛ والخروج على ولي الأمر؛ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ والتعامل مع غير المسلمين؛ والغلو في التشديد على النفس والغير؛ بالإضافة إلى الصلة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق المواطنة وواجباتها، وعلاقة ذلك بالغلو.
وأضاف ابن معمر أن المحور النفسي والاجتماعي، يتضمن موضوعات ذات صلة بالسمات الشخصية المتطرفة، مثل: التعصب والتسامح، والتصلب الفكري، والجمود الذهني؛ ثم التنشئة الاجتماعية في البيئة السعودية بين المظاهر والأساليب؛ ثم رؤية نفسية اجتماعية للتربية الدينية في المجتمع السعودي.
وفي المحور الثالث «التربوي» من محاور اللقاء الوطني الثاني للحوارالفكري، قال ابن معمر: إنه يتضمن دورالمناهج الدينية، ودور المعلم وطبيعة المجتمع في تحقيق الوسطية والاعتدال؛ ودور التعليم في خلق أنماط التفكير وبناء الشخصية المتزنة.. بالإضافة إلى مناقشة الأنشطة التربوية اللاصفية، ودورها في تحقيق الغلو أو الاعتدال..
وأشار الأمين العام للمركز أن المحورالرابع «الإعلامي» يناقش المعالجات الإعلامية لعلاج ظاهرة الغلو؛ ويشدد على أهمية حريةالتعبير في وسائل الإعلام وأثر ذلك في معالجة الغلو؛ ويدرس الخطاب الديني في وسائل الإعلام المختلفة ودوره في مواجهة الغلو وتحقيق الوسطية والاعتدال.
أمّا عن المحور الخامس والأخيرالذي سيناقشه اللقاء الوطني الثاني للحوارالفكري، فقال الأمين العام للمركز: إن هذا المحور يختص بالشأن السياسي والاقتصادي، ويناقش كيفية تعاطينا مع قضايا المسلمين على الساحةالدولية، دون تشدد وغلو؛ ويؤكّد هذا المحور على أهمية المشاركة السياسية فكرّا وتطبيقاً في معالجة الغلو في المجتمع السعودي وعلاقة ذلك على الحريات وحقوق الإنسان؛ بالإضافة إلى دراسة العامل الاقتصادي وأثره في الغلو.
وفي ختام تصريحه؛ رفع المستشار في ديوان سمو ولي العهد والأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني خالص شكره وتقديره للجهود الكريمة التي يبذلها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس الحرس الوطني وراعي اللقاء الوطني للحوار الفكري، الذي وفّر حفظه الله لإقامته البيئة الصالحة لأعمال المركز.
وثمّن سعادته الجهود المبذولة لأصحاب المعالي: الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصيّن، رئيس اللقاء ونائباه:الدكتور عبدالله بن عمر نصيف، والدكتور راشد الراجح الشريف، اللذان أطّرا اللقاء ليخرج اللقاء كما كان متوقعاً بأدب الحوارالإسلامي الملتزم وأخلاقياته منهجاً وأسلوباً للعمل؛ ليترسّخ بإذن الله عادة متبعة لدى أعضاء المجتمع السعودي على جميع مستوياته وشرائحه حول كل القضايا التي تهمه..
|