Monday 20th october,2003 11344العدد الأثنين 24 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
الأعسر
عبدالله بن بخيت

أتذكر زميلاً لي أيام الدراسة الابتدائية كان يكتب بالاثنتين: اليسار واليمين. ربما كنت الوحيد الذي يحسده على تلك الموهبة لأني الوحيد في الفصل الذي يكتب باليسار. فقد كان لدينا أستاذ حباه الله حب الممنوعات. ربما كان هو أحد المصادر الأساسية التي قامت عليها ثقافة كثير من «جماعة ممنوع» من جيلي، كان يتشاءم من كتابتي باليسار، كان يظن أن كل من يكتب باليسار يسهم الشيطان في انتاجه. كنت أتظاهر بأني أكتب باليمين إذا قام بجولة بين الماصات، بفضل من ضغوط ذلك الأستاذ بذلت جهوداً جبارة لانتقل من الكتابة باليسار إلى اليمين. حققت بعض النتائج ولكنها محدودة ومقتصرة على كتابة الأرقام.
عندما أتذكر تجربتي للتحول من اليسار إلى اليمين أتذكر تجربة دولة السويد في التحول من القيادة من اليسار إلى اليمين. يقال إن الحكومة السويدية بذلت ملايين حتى حققت التحول وأصبح الناس يقودون سيارتهم حسب النظام الأمريكي. وبعد النجاح تساءلوا لماذا تحولنا؟ لا يوجد جواب. كانت المسألة مجرد شعور بأن هناك خطأ يجب تصحيحه.
لم أكن أشعر بالذنب من كوني كنت أكتب باليسار. كان هناك اعتقاد أن الذين يكتبون باليسار أذكياء. ولا يوجد إنسان في الدنيا لا يريد أن يصنف ضمن الأذكياء. رغم شعوري بالشذوذ حينها كنت أشعر بالفخر. لكن الشيء الذي يجعلني أحس بأني كنت فعلاً على خطأ أنني لم أعرف في حياتي واحداً يكتب باليسار خطه جميل ومميز. معظم الذين يكتبون بالسيار من الذين عرفتهم يكتبون بصورة فوضوية وغير منظمة. عندما بدأت أعمل محرراً في احدى الصحف لاحظت أن جميع العاملين في التصحيح والصف يتهربون من التعامل معي لسوء خطي وعجمته.
من حسن حظنا أن ثقافتنا الإسلامية والعربية لا تسمح بتطور خرافات مرتبطة بمثل هذه الفروقات التافهة بين الناس، ففي ثقافات شعوب كثيرة هناك فروق تميز بين الأيمن والأعسر ترقى إلى درجة الارتباط بالشيطان وجهنم وغيرهما، وما زال في الثقافة الغربية وفي لغتهم مؤشرات على مثل هذا، فكلمة SINISTER التي تعني أيسر تعني في الوقت نفسه شريراً أو شيطاناً. ولا شك أن الذين يعرفون قليلاً من الانجليزية سبق أن استخدموا كلمة (GAUCHE) لوصف الانسان الأخرق وهذه الكلمة في الواقع مأخوذة عن الفرنسية بمعنى (الأعسر).. ربما يعود هذا التحيز في الثقافة الغربية إلى كتبهم المقدسة وأبعد إلى ثقافتهم الاغريقية القديمة.
مشكلة الأعسر أن العالم مبني بطريقة لا تريحه. معظم الأدوات وتصاميم بيئات العمل تأخذ في الاعتبار أن المستحدم أيمن. وهذه واحدة من الأسباب التي منعتني من تعلم العزف على آلة العود. عندما حاولت أن أتعلم العود وجدت أن الأوتار مصممة لمصلحة الأيمن فتوقفت عن المحاولة، فنجا محمد عبده من منافس كان يمكن أن يطيح به.

فاكس: 4702164

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved