من المؤكد أن العديد من المستفيدين من خدمات العمالة الوافدة، يبذلون النفس والنفيس في استقدام وتوظيف تلك العمالة، وذلك من ناحية استنزاف الوقت والمال، فضلا عن جهود عديدة تبذل في سبيل تثبيت هذا أو ذاك الوافد في العمل المناسب له، أو في العمل القادم للعمل من أجله، والبعض من أصحاب العمل أو غيرهم، ربما لا يدركون الجهود الحكومية وجهود وسطاء الاستقدام في الداخل والخارج، في مهمة متابعة وانهاء إجراءات الاستقدام عامة، وذلك منذ بدء التفكير في عملية الاستقدام، التي يشارك فيها صاحب العمل، انتهاءً بوصول الوافد إلى أرض الوطن، مروراً بالعديد من الاجراءات الإدارية والصحية والأمنية التي تؤدى للوافد منذ بداية وحتى نهاية فترة عقد عمله، وهناك دراسة تعكف هذه الزاوية على اعدادها، تظهر الحجم الكلي من الوقت والمال اللذين يستنزفان في سبيل استقدام وتوظيف الوافد الواحد أياً كانت مهنته، والتي سوف ترى النور قريباً إن شاء الله. إن القضية التي أمامنا لا يجب لأي منا أن يمر على قراءة عنوانها مرور الكرام، دون التعمق ومعرفة الأبعاد والمخاطر التي تحيط بها، وألا يعتقد أو يتصور من يقرأ عنها، أنها قضية هروب وترك عمل فحسب، فالقضية أكبر وأبعد من ذلك، تجاه ما سوف يترتب جراء هذا الهروب، فالهروب مؤداه انعكاسات سلبية على المجتمع (اجتماعية، اقتصادية، أمنية) والسؤال الذي نطرحه على الدوام، ما هي دوافع هذا الهروب، ولماذا تتكرر هذه الأفعال خصوصاً إذا ما حدث ذلك لأكثر من مرة من وافد واحد، فهل دوافع ذلك أن تعاقد ذلك الوافد مع صاحب العمل، ما هو إلا لأجل الدخول الى أرض الوطن، كجسر يوصله الى صاحب عمل آخر، أو مزاولة مهنة لحسابه الخاص؟، الاجابات حول ذلك سهلة ومعروفة، فضلا عن سهولة ايجاد الحلول التي لا تصعب على بلد مثل المملكة حلها، والذي اكتسب خبرة عريقة في سياسة الاستقدام والتوظيف الأجنبي منذ القدم، ولهذا فإنه من الواجب طرح ومناقشة قضية تكرار واتساع فجوة مسألة الهروب، التي أضحت ظاهرة في هذه المرحلة، بنسب متنامية ولافتة للنظر، إنني أجزم أن نظام الاقامة المعمول به في المملكة، ربما يضاهي العديد من أنظمة الاقامة في أي بلد، قوة وتنظيما، ونظاما مانحا حقوق الجميع فيما بينهم، بنسبة لعلنا نتفق في القول انها تحقق أعلى درجات الرضا، فنظام الاقامة هنا قائم على أن يتم الاستقدام من أجل إحلال وظيفة شاغرة لا من أجل القدوم ومن ثم البحث عن وظيفة أو تسريح هذا أو ذاك الوافد، وكأنه أتى للزيارة أو للسياحة، كما أن هذا النظام لم يشرع من أجل قدوم وافد ومن ثم هروبه!!، ولهذا فإن ضعف الوعي أو انعدامه لدى صاحب عمل ووافد، أمر مؤداه احداث خلل داخل المنظومة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، حينما يلجأ كلاهما الى الخروج عن أسس العلاقة النظامية التي كفلها النظام، إنني أجزم أن الحس الوطني، والوعي الصادق، هما من أساسيات الاحترام الكلي لكافة المبادئ والاعراف، وإذا ما آمنا أن هناك من البعض ممن يحدث هذا الخلل في مجتمعنا، فلماذا لا نسعى إلى تفعيل أنظمتنا وتطوير قدراتنا، للتصدي نحو تلك الأفعال، وللذود عن وطننا، أليست تلكم خطوة تدحض كيد البائعين لذممهم بالمال.
(*) الباحث في شؤون الموارد البشرية
|