Monday 20th october,2003 11344العدد الأثنين 24 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من ندوة إلى ندوة - 1 - من ندوة إلى ندوة - 1 -
عبدالله الصالح العثيمين

الشعور النفسي يواكب المرء اينما سار واتجه، وقد يتبلور قبل بداية سيره واتجاهه، فإذا كان يحب المكان الذي هو سائر اليه ويود اهله غمرته السعادة منذ التفكير في توجهه اليه، وبقيت ظلال ذلك الحب وتلك المودة وارفة فوق جوانحه طوال بقائه فيه.
وإذا كان لا يكن في نفسه حباً للمكان المتوجه اليه ولا مودة لأهله فانه لن يشعر بذهابه اليه الا بشعور الذاهب للقيام بأداء واجب يريح ضميره بانه قائم به.
قبل ثلاثة اسابيع كنت في طريقي إلى فيحاء الشام، دمشق، للمشاركة في ندوة عن اثر العقيلات في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسوريا.. بين الوطن الاول.. مهد العرب ومهبط الوحي والوطن الثاني الذي مازال مرابطاً على خط النار مع العدو المتربَّص بأمتنا كلها، وكانت تلك الندوة ضمن وجوه نشاط الأيام الثقافية السعودية في سوريا، الذي خطَّطت له ونفَّذته، مشكورة، جمعية الثقافة والفنون التي كانت ومازالت تبذل كل ما تستطيع من جهود للقيام بالمسؤوليات الملقاة على كاهلها، وذلك بالتنسيق مع الملحقية الثقافية السعودية في دمشق ذات النشاط المتميز المقدَّر.
وكان شعوري النفسي من بداية ترتيب الرحلة من الرياض إلى دمشق شعوراً يفيض بالسعادة والارتياح، فقد كنت لا أشعر الا بأني ذاهب من وطني إلى وطني، ومنطلق من أهلي إلى أهلي، فروابط الانتماء والدين أعمق وأوضح من ان تذكر أو يشار اليها، واعتقد ان جمعية الثقافة والفنون كانت موفقة في تنسيقها مع الملحقية الثقافية السعودية في سوريا بحيث تحقق الهدف الذي اقيمت الايام الثقافية لتحقيقه.
ذلك ما كان من امر الندوة الاولى التي شاركت فيها مع اخوة اعزاء في دمشق.. فيحاء الشام، وكنت قد ذكرت شيئاً من اخبارها ومشاركتي فيها ضمن مقالتين سابقتين، اما الندوة الثانية فكانت في باريس وكانت عن الحركات السلفية المعاصرة وان تناولت ايضاً تاريخ سلفيات قديمة نوعاً ما لكنها اثرت بشكل من الأشكال في الحركات المعاصرة وقد تم إعدادها من قبل مركز والدراسات المشتركة عن الاديان وبين علم الانسان بالتعاون مع وزارة الخارجية الفرنسية المتصلة بالاحداث الدينية، ومنسَّقها الدكتور الكريم هشام داود، الذي حرص كل الحرص على ان يشارك فيها اناس من المملكة العربية السعودية، وذلك لما كان لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله -، من اثر معروف من ظهورها في القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي إلى الوقت الحاضر، فكان ان احسن الظن بي جزاه الله خيراً ووجه الدعوة الي للمشاركة فيها، وادراكاً لمجريات الاحداث التي تضج بها الساحة في هذه الايام قدَّرت الموقف، ورأيت من واجبي ان اقبل الدعوة واشارك في تلك الندوة، وتبنت دارة الملك عبدالعزيز، السباقة إلى المساهمة في كل ما يتوقع ان تكون فيه فائدة للوطن، مساعدتي على القيام بذلك الواجب، فكان ان سافرت إلى العاصمة الفرنسية.
لم اشعر بثقل المسؤولية التي اقدمت على تحمُّلها في اي ندوة كما شعرت بثقل مسؤولية مشاركتي في ندوة باريس، ذلك اني سأتحدث عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، تاريخياً، وفكرياً، في وقت توجه اليها سهام كثيرة من جهات مختلفة من بينها تلك المنطلقة من اناس نالوا في ظلَّ الحكم الذي تبنَّاها ما نالوا من توحُّد وتحسُّن أحوال، على ان مما كان يسلِّيني نوعاً ما أني قد عهدت الندوات التي تعقد في المجتمعات المتقدمة حضارياً لا يحدث فيها ما يحدث في بعض القنوات الفضائية العربية من توتُّر وتدنِّ في مستوى اساليب النقاش.
وكان من حسن حظي ان سعدت برفقة اخي الكريم، العالم الفاضل، الذي وهبه الله من سعة الثقافة والافق ما يشرح الصدر، ومن غزارة المعرفة ما يثري العقل، وهو الاستاذ الدكتور ابو بكر احمد با قادر الاستاذ في جامعة الملك عبدالعزيز، وكان من لطفه ونبله ان استقبلني في المطار بجدة، واخذني إلى منزله العامر حيث الرعاية الاخوية إلى ان حان موعد اقلاع الطائرة المتجهة إلى باريس عبر القاهرة، وكان نعم الرفيق في الطريق، ونعم السند في العاصمة الفرنسية وخلال جلسات الندوة.
عندما وصلت الطائرة إلى مطار باريس كان في استقبالنا اخ عزيز ملكنا بكرمه وعونه، وهو الدكتور سعود بن سليمان الذياب الملحق الثقافي السعودي هناك، وإن من الصعب على مثلي ان يعبِّر عما لقيه من حفاوة ذلك الاخ العزيز وكرمه وعونه، ولا املك الا ان اقول: بيَّض الله وجهه وأكثر أمثاله، بل ان اريحيته لم تقتصر على ما ذكر وهو اكثر من كثير وانما تجاوزت ذلك إلى تكرمه بامدادي بموجز لما قيل باللغة الفرنسية، أو دار من نقاش بها، وكانت هذه اللغة قد ذهبت ادراج الرياح من ذاكرتي بعد ان توقفت ممارستي لها، قراءة وتحدُّثاً، أكثر من خمسة وثلاثين عاماً.
وكان من حسن حظي، ايضاً، ان التقيت خلال الندوة الاخ الكريم الاستاذ عبدالله بن ابراهيم الفالح الملحق للشؤون الاسلامية في سفارة المملكة بفرنسا، وهو ممن يتَّسمون بدماثة الخلق وكريم السجايا، وقد كلّف جزاه الله خيراً احد مساعديه بتلخيص ما دار في الندوة، وبخاصة ما كان باللغة الفرنسية، فكان هذا مع ما قام به الاخ العزيز الدكتور سعود الذياب مما ساعدني على استيعاب ما كنت أودّ استيعابه.
ولا يفوتني والحديث عن الاخوة الذين غمروني بلطفهم وكرمهم ان اشيد بما خصني به الاخ الكريم الدكتور هشام داود، الذي كان له فضل توجيه الدعوة اليّ لحضور الندوة، وفضل الرعاية طوال اقامتي في باريس خلال مداولات تلك الندوة وخارجها، وكان ما ابداه من مودة وتقدير للمملكة مما اسعدني كل السعادة، ومما اسعدني، ايضاً، عدم التكلُّف في الضيافة بحيث شعرت وكأني عدت إلى أيام الدراسة التي كانت من أسعد الأيام، كانت مساحة الغرفة التي أعدت لي في الفندق لاتصل إلى ثمانية أمتار مربعة، وكان ما يقدمه الفندق فطوراً خفيفاً فقط، ولم يكن في الامكان تقديم اي طعام أو قهوة بعد وقت ذلك الفطور الخفيف، اما التنقل بين مكان الندوة والفندق فكان، في الغالب، عن طريق القطار الذي يسير عبر الانفاق، واما الغداء فكان كما هي العادة في مطاعم الكليات حيث يقوم المرء بأخذ ما يختاره من مأكولات ومشروبات محدَّدة محدودة و«الخفّ رحمة»، ومساعد على ابعاد النعاس اثناء المناقشات بعد الظهر، وستكون الحلقة التالية بإذن الله عن بعض الموضوعات التي نوقشت في الندوة المذكورة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved