Sunday 19th october,2003 11343العدد الأحد 23 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

3-12-1390هـ الموافق 30-1-1971م العدد 329 3-12-1390هـ الموافق 30-1-1971م العدد 329
اوراق على الرمال
«المصابيح الناعسة»
بقلم: جارالله الحميد

جعل حذاءه يحدث طرقات عالية وهو يحدث طرقات عالية وهو يضرب الأرض بخطوات قوية مسرعة بينما ران على السوق سكون مطبق وخيم عليه صمت ثقيل، لم تفلح بعض أبواق سيارات مكدودة في تبديده وهي تنطلق من هنا وهناك. كان «يمد بوزه» بسخرية ويلوى شفتيه.. بتهكم وهو يرمق بعنف مصابيح الشارع التي بدت مستسلمة لشبه نعاس.. ترسل اشعتها الباهتة في حيز ضيق محدود، ويمضى في سيره لا يسمع سوى هذا الاطيط الذي يحدثه حذاؤه. وشعر ببرودة الجو تلفح وجهه وتنفذ إلى عظامه فمد يده وشد على طرفي غترته ولف بهما نصف وجهه الأسفل، فغطى فمه وانفه.
وقرن ازرار معطفه وهو يرتعد لم اودع يديه جيبيه وسار..
مشى لا يهمه ان تنقلب سيارة او يخر احد الرجال صريعا، ولكن يهمه فقط ان يرى بعينيه هاتين «ويلمس عينيه» باب بيته ويتأكد من انه ليس حلما.. هذا فقط هو الذي يهمه، وعاد يرفع عينيه الى تلك المصابيح التي كانت شبه ناعسة!! كان منظرها يبعث على النوم، يغرى باغفاءة مريحة تحت بطانية ثقيلة، ثم غض بصره وجعل يتفحص ارض الشارع المخططة بظلال اعمدة الكهرباء السامقة.. وبحث ما استطاع عن تسلية.
يقتل فيها الوقت.. يقارن بين ردتي حذاءه.. يعد خطواته.. يضرب فكيه ببعضهما، ولمح عن بعد قريب، شبحى رجلين. واقتربا، فتبينهما.. على ضوء المصباح الذي كانا تحته في هذه اللحظة.. فاذا هما، عمودا كهرباء بلا مصابيح، نخيفان جداً يرتدى كل منهما معطفا ثقيلا ويسيران بتمهل ويتلفتان..
وبحركة آلية القى التحية. وسار قبل ان يسمع رداً، وما ابتعد بضع خطوات حتى سمع صوتهما يردان التحية.. بفتور واضح.. والتفت نحوهما وهو يشيعهما بنظرات لا معنى لها.
تابع سيره وهو يغنى بصوت خافت.. أغنية لا يعرف سوى كلمة او كلمتين فقط من مطلعها.. ويردد هذه الكلمة او الكلمتين عشرات المرات.. وراح من جديد يبحث عن تسلية.. يغلي واجهات الدكاكين المغلقة.. ويعد النوافذ الموصدة.. ثم.. بسمل بسرعة عجيبة عندما برزت قطة من احد المنعطفات..
وقف امام باب بيته، ينظر اليه مليا كأن لم يره من قبل.. وعندما بدأ يعالج بمفتاحه قفل الباب، اذ بسؤال يتردد صداه في اعماقه من غير داع: ترى لو انقلبت سيارة الآن؟ او اخر احد الرجال صريعا ما تفعل؟؟ واتسعت عيناه بدهشة بلهاء!!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved