كلما مررت بمكتبها، وهي منهمكة في تنظيم أوراقه، أو الرّدِّ على مهاتفاته، كلَّما استوقفتني تُسائلني عن مصير فكرتها التي قدَّمتها لي مقترحاً لموضوع أكتبه هنا، وما كان لي أن أهمل طلباً تقاعساً أو تأخيراً لولا أنَّ الموضوع ليس جديداً وإنْ كان ملحاً..، وقد نهجت لا أكتب فيما يعاد ويكرَّر، غير أن الموضوعات الملحة التي تناقش أموراً ترتبط «بالإنسان» من أشدِّ الموضوعات التي أكرِّس لها استجابتي.. لذلك فإنَّ فكرتها تقضُّ المضاجع، على الرَّغم من كثرة ما كتب ومَنْ كتب فيها وعنها إلاَّ أنَّها تظلُّ هاجساً ذا انتماء!!
صاحبتي تقول: ما هذا الذي يحدث في فضائيات يُفترض أنَّ أصحابها لا يرضون بما فيها، إنَّنا إنْ كنا نزداد ألماً وقهراً ممَّا جاءت به أزرة المحرِّكات للشَّاشات الصَّغيرة داخل البيوت، إلا أنَّ ألمنا وقهرنا لا يزال الازدياد منهما مستمراً بقدر ما تحتويه القنوات العربية من «الفساد المبطن»، بل الظَّاهر بشكل وبآخر، وتقدِّمه مقشراً من التَّغليف على أطباق من زجاج شفيف ونحن لا نملك حيلة ردِّه، ولا قدرة دَرْئه..، ويتوغَّل ألمنا، وننشطر من القهر ونحن نتابع هذا الفساد في فضائيات يفترض أنَّها تنتمي إلى رؤوس أموال مواطنين..، فإن صحَّ هذا فإنَّنا لن نبرأ من أدواء القهر والألم.
ألاَّ ترين يا صاحبتي كيف تحوَّلت المذيعات إلى عارضات وممثلات؟ وأصبح لهن من المنتجات ما وسم بأسمائهن، وتلوَّن بأصباغهن؟
ومثل هذه النَّماذج يتهافت عليها الشَّباب ويتابعها النَّاشئون في غير تروٍّ من نضج، أو إدراك من وعي، وألا تشاهدين عروض الأفلام التي لا تحذر من منظر غير لائق، أو موضوع غير مناسب، وتلك البرامج الحوارية التي تخلو أساليب مقدماتها من أبجديات الذوق، و... و.. ناهيك عن الأغاني، واللِّقاءات مع مَنْ لا تمثِّل شخصيَّاتهم القدوة التي تعتمد عليها تربية وتنشئة المرء المسلم، في تفكك خيوط النَّسيج لتركيبة المجتمع المسلم؟
إنَّ من الواجب وليس فقط من اللاَّئق أنْ يحرص الجميع على دعم الفضيلة، والأخلاق، والمظهر الرَّئيس للإنسان المسلم.. فكيف يقبلون أنْ تقدِّم فضائيات يعملون على انتشارها، ويدعمونها بالمال والوقوف، ويؤازرون مسيرتها وهي تنافس الفضائيات الأخرى ليس بقوة الفكر، بل بجاذبية الشَّكل؟ وليس هناك من رقابة على ما تقدِّمه من مضامين ومناظر ليس أكثر من النَّاشئة من المراهقين ممَّن يتعاملون معها سواء فيما تعرضه من أفلام؟ أو فيما تنفذه من إخراج عام؟..
وعادت صاحبتي تقول: أليس من الجميل أن أُخرج ما في صدري كي أكون غير صامتة عن حقٍّ؟
قلت لها: بلى، وليطمئنَّ قلبُك.. فلسوف أدوِّن ما قلتِ ولسان حالي يقول: اللَّهم اهد قلوب المسلمين كي يتَّقوك حقَّ تُقاتك.
واجعل ما يبذلون من مال وجهد طاهراً من الإثم، مفرِّغاً من الخطأ.
|