Sunday 19th october,2003 11343العدد الأحد 23 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شُئون (تعليميَّة).. شُجون (وطنيَّة)...؟! شُئون (تعليميَّة).. شُجون (وطنيَّة)...؟!
حمّاد بن حامد السالمي(*)

* هناك جهود كبيرة أخذت تبرز، تقودها مؤسسات الدولة كافة، وهي تصب في حركية ديناميكية، بهدف تصحيح كثير من المسارات السياسية والتربوية والثقافية والإعلامية.. وغيرها في عموم البلاد.. هذا أمر جيد، وهو في غاية الأهمية، لكنها مع ذلك، سوف تظل جهوداً محدودة أو قاصرة، إذا لم تُدعم بأدوات تنفيذية فاعلة، وتُسند بإدارة متحفزة، تحمل المفاهيم الإصلاحية ذاتها، وتنظر.. بل وتتقدم، من خلال هذه الحركية الإصلاحية الجديد، إلى المستقبل، بل تدخل حركية التاريخ من بوابة الغد لا الأمس، ولهذا.. فإن مثل هذه الجهود التصحيحية الوطنية حقيقة، ينبغي أن تواكبها في الوقت ذاته، جهود أكبر منها، تستهدف (أدوات) إدارة هذه الجهود ذاتها، أو لنقل، لتأخذ على عاتقها، تصحيح المسارات القيادية والإدارية، المنوطة بها مهمة التصحيح ذاته، بشكله العام في أساس الأمر..
* سوف أكون صريحاً هنا، كي أنسجم مع نفسي قبل كل شيء، كوني مواطناً يراقب بعناية واهتمام كبيرين، ما يجري من تغييرات مفرحة، ومن تصحيحات سارة، لأعلن من هنا، خوفي على هكذا تجربة نخوضها بصدق وحماس، بعد مرارة ذقناها من منتجات خطابية، أقل ما توصف به أنها سيئة، إذا ما رُبطت ببعض ما أفرزته (هي دون غيرها)، من معطيات كارثية، أرتنا في جانبها الأسود، كيف تتهاوى المباني الضخمة بفعل المتفجرات، وكيف تسيل الدماء الزكية بمفاهيم خاطئة، وكيف تُهمش أو تُقصى الكفاءات الوطنية الجادة، بل كيف يُقضى على الفكر النير في مهده، بتعليبه ووضعه في ثلاجة..!.
* لنأخذ من ضمن هذه المسارات المستهدفة بالتصحيح، الجانب (التربوي التعليمي). لقد حلت التربية الوطنية ضمن منهج عام في التعليم، وجرت مراجعات مهمة للمناهج الدراسية، وتم توحيد شتات التعليم العام، وجاء الفصل بين ما هو تعليم عالٍ أو عادي، وربما اكتشفنا هنا ولأول مرة، أننا لسنا قُصَّراً، وأننا نملك قدرات كافية للابتكار ولتنظيم أنفسنا، ولدينا استطاعة جبارة، على فهم مشاكلنا دون معاونة من أحد، أو التحسس من (معايرة) تأتي، من قريب أو بعيد.
* لكن.. مع ذلك كله، ظلت الإدارة في التعليم العام، تعاني من سوء الإدارة ذاتها، فاختيار القيادات في السنوات الأخيرة، هو محل نقد في بعض جوانبه، والمحسوبيات على أسس عشائرية أو فكرية أو مذهبية، تشكل واحداً من الأساليب الظاهرة في سلوكها، واستغلال النفوذ، موجود حتى طفح كيله، فوصل إلى صفحات الصفح، والتي أخذت على عاتقها، كشف جوانب من الفساد الإداري والمالي، في هذه الإدارة التعليمية أو تلك.
* ما نشر في الآونة الأخيرة عن تعليم الطائف، يمثل وجهاً واحداً من وجوه هذه القضية، حتى ليضعنا حائرين أمام أسئلة كبيرة بحجم الشجن الوطني العام في هذا الوقت العصيب، فإذا كنا نربي أجيالنا على الولاء لأمتهم ووطنهم، من خلال منهج عام في مدارسنا، ثم لا نتولى تطبيق هذا النهج من خلال الإدارة التربوية والتعليمية التي تطرحه نظرياً، إما تكاسلاً من البعض، أو نتيجة عدم إيمان (بعض) آخر بما فيه، أو خروجاً من (بعضهم) على نصه.. فما قيمة هذا المنهج إذن..؟ وأين مصداقيتنا كتربويين ووطنيين أمام أبنائنا..؟!
* وإذا وجد أناس في الإدارة التعليمية، يقربون قرابتهم، ويوالون من هم على فكرهم ومذهبهم على حساب بقية أبناء الوطن كله، فهل مثل هؤلاء (الناس)، يدركون حقيقة، أبعاد الجهود الوطنية العظيمة، التي تقودها دولتهم، وترعاها حكومتهم، من أجل الاصلاح العام، لعموم الوطن..؟!!
* وإذا كان هناك أناس في الإدارات العامة للتعليم، يستغلون مناصبهم ومراكزهم، من أجل الاستحواذ على المال العام، بطرق ملتوية، مثل تأجير المباني الخاصة، كما ظهر مؤخراً، فهل مثل هؤلاء هم محل ثقة على تربية الجيل الذي نريد..؟!
* ومثل ذلك، من يخص قرابته وعشيرته بالتوظيف دون الآخرين، فهل مثل هذا يُؤمن على تحقيق العدالة بين البشر الذين يديرهم..؟!
* إنها أسئلة كثيرة في هذا الإطار، ربما انتصبت قاماتها، وعلت هاماتها، إثر ما ظهر من فضائح إدارية ومالية في الإدارة العامة للتعليم بمحافظة الطائف، ولكن.. في يقيني، أن الأمر أبعد من هذا بكثير بكل تأكيد، إذ لا يكفي أن يحاسب فلان من الناس، ويعاقب آخر، مع مشروعية ووجوب هذا كله، بل والمطالبة بوضع حدود صارمة لما جرى ويجري، ولكن المهم في الأمر، هو إعادة النظر في الأسلوب الذي تدار به (العملية التربوية والتعليمية)، انطلاقاً من الوزارة نفسها، وصولا إلى المناطق والمدارس كافة.
* إن عملية الاصلاح، عملية ليست سهلة، لكنها غير مستحيلة، وإذا تهيأت لها سبل النجاح من البداية، فسوف تحقق أهدافها كاملة، ومن سبل النجاح الملحة، تبريح الطريق نحو تقدم عربة الإصلاح إلى الأمام.. إن الإدارة العامة الحالية، هي أحوج إلى الصلاح من غيرها، وإن الكوادر الإدارية القائمة، يجب أن تجدد مفاهيمها، وأن تعيش في جو التجربة، وإن أهم عقبة في طريق عربة الإصلاح، هي تلك الشرائح الاجتماعية المستفيدة، من جو الفساد الإداري والمالي، سواء كانت ضمن تركيبته الإدارية أو خارجية، فلطالما وجدنا (أناساً) يحرصون على إبقاء الحال على ما هو عليه..! فهم يتداعون للدفاع عن المفسدين، ويتظاهرون للتغطية على الفساد، ولو بحثنا في المصلحة وراء مثل هذا، لما وجدنا سوى (المصلحة) ذاتها، التي تجعل المستفيد من جو الفساد منافحاً دونه.
* مثل هذا السلوك الذي نعرفه جيداً، هو مثار للعجب..! فليس العجب فقط في وجود فساد إداري أو مالي في هذه الجهة أو تلك، ولكن العجب كل العجب، هو في ظهور زمر وفرق محسوبة على أوساط معروفة، تتطوع للدفاع عن المفسد وما أفسد..! وذلك باستخدام كافة وسائل النفوذ والضغوط لدمدمة الظاهرة، ولملمة الفضيحة، وكأن شيئا لم يكن..! وقد يتمادى (جيش الدفاع) هذا عن الفساد، فيتحول الى (جيش حرب) ضد كاشفي الفساد، لايذائهم، أو إقصائهم، أو قصفهم..!
* إن من أحدث أساليب العمل على ابقاء الحال على ما هو عليه، وذر المزيد من الرماد في العيون، ما لجأ إليه مدير تعليم الطائف الأستاذ (سعيد بن عبدالله القرني) مؤخراً، الذي راح يخيفنا ب«المعرضة» في الخارج، التي - في زعمه - إذا اطلعت على ما ينشر من فضائح الفساد الإداري والمالي في الصحف، استغلتها من خلال القنوات الفضائية والانترنتية..! هكذا إذن يا مدير التعليم..؟! يجب أن نسكت عما يجري في إدارتك، خوفاً من تلك المعارضة التي تهددنا وتخيفنا بها...؟!!
* هذا نص ما جاء على لسانه هو في جريدة (الوطن)، في عددها رقم (1102)، الاثنين (8 أكتوبر 2003)، رداً على تقريرها الذي نشرته، حول ظاهرة المحسوبية والعشائرية في التوظيف والمراكز القيادية. قال: (... وقد ينتهزه - يقصد التقرير - بعض المعارضين المغرضين تجاه البلد، من خلال القنوات الفضائية والإنترنت، إن لم يكن قد استغل ذلك فعلاً)..!
* إني أتساءل في الختام بكل مرارة: هل (يُراد) لنا، أن نستسلم لمثل هذا النمط من التفكير، القائم على (الدمدمة واللملمة والردم)، فنغض الطرف عن فسادنا، ونسكت على عوارنا، حتى يأتي من يتطوع نيابة عنا، فيكشف الغطاء، أن نتولى أمرنا بأنفسنا يا ترى...؟!

fax: 207361552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved