|
|
لقد توارثت الشعوب والأمم تداول الأدوية الشعبية من الأعشاب والموارد الطبيعية المتاحة بطريقة مباشرة دون تحليل وفصل وتنقية وتكرير.. ولدينا كما لدى الأمم الحضارات الأخرى موروث هائل من الأعشاب الطبية والأدوية التقليدية الشعبية ولها فوائد عظيمة وآثار قوية على الصحة والمرض. وقد توارثها الأجداد والأجيال بتحويرات وتحديث وتجديد مناسب لحقبة زمنية أو ظروف بيئية، وعبر سنين عديدة قضيتها بين أروقة المختبرات وأجهزة التحاليل المتنوعة وجدت أن بعض هذه الأدوية الشعبية كنز هائل من العلاج والمواد المفيدة لجسم الإنسان، ولكن القليل فقط من تلك الأعشاب والمواد الطبية التقليدية وجد طريقه نحو التجربة والفحص والتحليل، وهذا العامل هو الفاصل الأساس في تقييم وتحديد فوائد وأضرار تلك الموروثات الطبية الشعبية الكبيرة، ونحتاج إلى مركز طبي كيميائي متخصص لدراسة هذه المواد العلاجية التقليدية والأدوية الشعبية وتقنينها وفصلها وتنقيتها وتقدير جرعاتها وحدود سمِّيتها ودرجة تحملها داخل جسم الإنسان ومن ثم يتم ترخيصها وتقنين جرعاتها للبيع والتداول، ففي الصين يستخدم 92% من الشعب الصيني العلاج بالأعشاب والعلاج الشعبي، وكذلك في بعض الدول وحتى الدول الغربية الآن بدأت البحث والدراسة على تلك المواد الطبية العشبية الهامة. أما الأعشاب الطبية المستخدمة لدينا فيؤسفني القول ان حوالي 95% من تلك الأعشاب والمواد المستخدمة في العلاج الشعبي لم تدرس ولم يتم تحليلها وبحث فوائدها وأضرارها بالطرق العلمية السليمة. ففي مسح عاجل قمنا بإجرائه أثناء إعداد وتأسيس وحدة دراسة المسرطنات ومضادات السرطان بمختبرات مركز الأبحاث بمستشفى الملك فيصل التخصصي تم حصر حوالي ثمانين مادة عشبية ونبات طبي ومستخلص علاجي وخلطة شعبية يستخدمها عامة لعلاج أمراض متنوعة ومتباينة اكتشفت أن سبعة فقط منها تمت دراستها جيداً ولها أبحاث علمية منشورة وموثقة ومعظمها تمت دراستها لأغراض أخرى وبطرق مختلفة ومناسبة لبيئات أخرى، ومن الأشياء المفاجئة ان بعض هذه المواد تحمل عدة مسميات وتستخدم لأمراض مختلفة وبأسماء مختلفة وتتباين الأسماء وتختلف التركيبات ولكن المحتوى قد يكون واحداً. ويدخل في هذا المجال الغش والتدليس والخلط الكيميائي فقد اكتشفنا أن بعضهم يبيع خلطة لعلاج السكر وعند التحليل اكتشفنا ان البائع قام بشراء أدوية علاج السكر من الصيدلية ثم قام بخلطها مع بعض البرسيم والعسل والحبة السوداء وأخذ يبيع هذا الخليط بمئات الريالات وآخر قام بخلط مستحضرات طبية خطيرة مثل الكوتيزون والستيرويدات مع الفازلين وقام بصبغه بصبغات خاصة للتمويه ثم يبيع العلبة بمئات الريالات لعلاج البهاق والجرب والاكزيما.. الخ وهنا تكمن الخطورة حيث ان هذه المستحضرات الطبية تدخل الجسم بتراكيز عالية وسامة وتؤثر على أنشطة الأعضاء وقد تؤدي إلى مشاكل صحية مزمنة ومضاعفات خطيرة، وقد حضر مريض بالسرطان ومعه علبة لخليط بني اللون يشبه ذرات الطين ونشارة الخشب المطحون وقد اشتراه بمبلغ أربعة آلاف ريال وبعد ان استخدمه لمدة أسبوعين اصيب بفشل كلوي وخلل في وظائف الكبد وحدث له مضاعفات خطيرة أدت إلى وفاته. وآخر زار مشعوذاً في جدة وقد قام ذلك المشعوذ بفحصه عن طريق العين المجردة ولمس بعض العروق «الشرايين والأوردة» ولمس العضلات فقط دون أشعة ودون تحاليل ثم وصف له علاجاً شعبياً وخليطاً مجهولاً «حسب رواية مرافق المريض»، وقد سبب له ذلك العلاج تسمماً عاجلاً بعد يومين من تناول ذلك الدواء ودخل العناية المركزة لبضعة أيام ثم مات متأثراً بذلك العلاج.. والقصص كثيرة والمآسي قد لا تروى وقد يدفنها التراب ويخفيها الجهل. وإنني أدعو كافة الجهات المعنية بأن نأخذ هذا المنهج الطبي السليم في دراسة وتقنين تلك المواد الشعبية وجرعاتها ودراسة جوانب سلامة استخدامها وكل ما يتعلق بالدراسات الدوائية الخاصة بالطب الشعبي، وقد يكون ذلك عبر إنشاء مركز طبي دوائي متخصص أو يلحق بإحدى المؤسسات الطبية القائمة «مثل مختبرات السموم والمواصفات والمختبرات الأخرى». |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |