كنت حتى الماضي القريب لا أدخل على الإنترنت إلا لأسباب بحثية أو علمية أو متابعة أخبار معينة أو لقراءة بريدي الإلكتروني، ولكن تطورات الأحداث لم تعد تسمح بإهمال الجانب الحشي من الأحداث، وأعني بالجانب الحشي جانب النميمة والتخرصات وكلام المجالس. وإذا كان للإنترنت من فائدة حقيقية فهي هذه الفائدة بالتحديد. لم أكن أتصور أن الإنترنت سوف تنقل حديث المجتمع بالكامل على ظهرها، عندما تتطوف ببعض الساحات تحس أنك تسمع طوائف المجتمع تتكلم وتتخرص وتعطي رأيها. تقرأ كل الآراء وتناقضاتها والمداخلات عليها. كل بلغته وحسب تربيته وسلوكه، والناس تتواجد في الإنترنت حسب طبيعتها بعد إزالة الخوف والحياء والتردد، مما ولد صراعاً بين مدينة الملك عبدالعزيز المتعهدة مراقبة ما يدور في الإنترنت وبين أصحاب المواقع. ففي كل مرة تحجب فيه المدينة الموقع يعود الموقع إلى العمل بعنوان جديد. وطبعاً العاملون في مدينة الملك لا يمكن ان تنقصهم نوازع التحيز المكشوف، فموقع يغلقونه مرة كل سنة وموقع يطاردونه بشكل يومي وكأنهم متخصصون في مراقبته. وبسبب هذا فالمتابع للإنترنت مدفوع للإصغاء لوجهة نظر واحدة ظلت دائماً هي المسيطرة على وجهات النظر العامة حتى قبل الإنترنت. أكيد أن كثيراً من العاملين في مدينة الملك عبدالعزيز ما زالوا يعيشون أيام العسل المصنوع قبل الحادي عشر من سبتمبر.
على كل حال الإنترنت بشكلها الحالي هي أفضل مجال لتفريغ شحنات وطاقات ظلت مكبوتة سنوات طويلة. فرصة للتفريغ والفضفضة قبل الانتقال للمرحلة الجديدة من حياة الإنسان العربي. فالانغلاق الكبير الذي عاشته المجتمعات العربية يحتاج إلى وقت لتفكيكه وإزالة آثاره.
في كل مرة اقرأ في الإنترنت أشعر ان طريق حرية الرأي طويلة بعض الشيء وتحتاج إلى آلام كما أن الإنترنت نفسها لا يمكن ان تكون غير دافع وتهديد للصحافة التقليدية دون ان تحل محلها. الإنترنت مجال للنشر الفردي أو الشللي. يعني كل واحد يقدر ينشر جريدته الخاصة ويقول رأيه الخاص وبالتالي سيكون هناك آراء بعدد الناس. يعني حراج.. فالإضافة إلى شكل الحراج، فالرقابة على الإنترنت ممكنة ويمكن تطبيقها بشكلها الفظ التقليدي. فكما أشرت هناك مواقع تراقب «بتسهيلات واضحة ومكشوفة» وهناك مواقع تلاحق بشكل منظم ودقيق. المشكلة عندما ينزبط الواحد يستغيث بحرية الرأي. أثناء حوار في إحدى القنوات مع احد الشيوخ المتخصصين في علوم الشريعة اتصلت امرأة معروفة بأنها من أكبر المنادين بكبت الحرية فوجئت بها تنادي بحرية الرأي. شعرت بسعادة غامرة ليس لأن هذه المرأة تحولت ولكن لأن كلمة «حرية الرأي» أصبحت مفردة عامة تستخدمها الأطراف كلها باحترام وتستنجد بها إذا لزم الأمر. أعتقد ان هذا التحول يعود بشكل كبير إلى عالم الحش والنميمة الذي تقوده الإنترنت. ورغم هذا التطور الذي أحدثتها الإنترنت تبقى الإنترنت أداة تحت السيطرة من جهة ومن جهة أخرى مكان تعمه الفوضى إلى درجة لا يمكن ان تحل بديلاً للتعبير الواعي والمنظم الذي يمكن ان تقوده الصحافة التقليدية.
فاكس: 4702164
|