Friday 17th october,2003 11341العدد الجمعة 21 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

27 12 1390ه الموافق 23 2 1971م العدد 331 27 12 1390ه الموافق 23 2 1971م العدد 331
قصة قصيرة «الحقيقة»
بقلم: آمنة محمد

دخلت «سمر» غرفتها وأحكمت غلق الباب ثم اتجهت نحو سريرها فألقت بنفسها عليه وأجهشت بالبكاء، ثم أفاقت لنفسها وتجولت في غرفتها جيئة وذهاباً ثم استقر رأيها أخيراً على شيء ما.. فارتدت عباءتها وفتحت الباب بهدوء وسارت على أطراف أصابع قدميها وهي تحاذر ان يبدر عنها أي صوت، وما هي إلا لحظات حتى كانت في قلب الشارع الصاخب تسير بسرعة وأفكارها مضطربة مشتتة حتى إذا ما وصلت إلى مبتغاها وهو منزل طرقت بابه، وما هي إلا برهة حتى فتحت لها سيدة في العقد الرابع من عمرها، فتعجبت المرأة لقدوم «سمر» المفاجئ ودهشت لما بدا عليها من الاضطراب.
فتجيبها سمر باكية: خالتي ليلى دعيني أبقى عندك لا أريد أن أذهب إلى بيتنا مرة أخرى إنني خائفة!..
فتنزعج الخالة وتأخذ بيدها للداخل وتنزع عنها عباءتها وتجلسها وتقول: اهدئي يا بنتي وقولي لي ما الذي جرى؟ ولكن ما تلبث سمر ان تنفجر باكية وتشهق شهقات متقطعة فتعجب الخالة في شيء من الجزع وتقول وقد أوشك صبرها أن ينفد لمعرفة الحقيقة: بنيتي ما بالك ألا تفصحين عن ذات نفسك أو لست خالتك وأهلا للثقة؟ ثم أليست الخالة كما يقولون في محل الأم.. وما إن تسمع سمر كلام خالتها حتى ترفع إليها عينين دامعتين قائلة بأسى: أي أم تعنين التي أنت في محلها، «أمي الحقيقية أم المزيفة؟» فتبغت الخالة لدى سماعها قول سمر الغريب فتحدق بوجهها قائلة في شبه ذهول: ما هذا الكلام الذي أسمعه يا سمر؟
فتقول سمر وهي تحاول أن تضبط أعصابها المتوترة: أجل يا خالة لقد عرفت كل شيء الآن عرفت أني أعيش طيلة هذه السنين تحت ظلال امرأة تدعي انها أمي والأمومة منها براء، فتقول الخالة مندهشة: ماذا تقولين؟ فتقول سمر: نعم يا خالتي عرفت انها مجرد زوجة لأبي تلبس رداء الأمومة وتزعم الحنان والعطف فتسبغه عليّ تصنعاً وتزيفاً، ثم ما تلبث ان تخلع ذلك الرداء الزائف لتخطط في الخفاء ما يسيء إليّ ويدمر مستقبلي، فتحتار الخالة من كلام سمر المبهم وتدرك سمر أي شيء يجول في خاطر الخالة فتبادر لتزيل الغموض عن كلامها السابق.
سأوضح لك يا خالتي: بالأمس كنت أنوي زيارة صديقتي «وداد» حيث علمت أنها مريضة وأخبرت بذلك أمي.. أقصد امرأة أبي وذهبت إلى صديقتي في منزلها ولكني لم أجدها فقفلت راجعة إلى منزلنا حيث وجدت الباب مفتوحاً فاتجهت صوب غرفتي لأغير ملابسي ولكنه استوقفني حديث انتهى إلى سمعي منبعثاً من غرفة امرأة أبي حيث كانت في حديث مع شخص آخر عرفت من صوته انه «خليل» ابن أختها، ولقد تمكنت من سماع ما يدور بينهما ولو أنها عادة غير حميدة ولكن كان الحديث يدور حولي مما أجبرني على أن أسترق بعضا منه: سمعته يقول: ألحّي عليه كي يقبلني زوجاً لابنته «سمر» فترد عليه خالته قائلة: لا عليك سأجعله يقبل. ثم يقول خليل لها: بورك فيك يا خالتي فرجل مثل فوزي في ثرائه لا يمكن ان يترك بغير مصاهرة، ثم تعود خالته لتطمئنه قائلة: سيقبل حتما لأني زوجته ولانه يحبني، ثم يطلق خليل قهقهة خافتة قائلاً: وإذا ما تزوجتها فسأصبر عليها سنة.. أو سنتين ريثما يتوفى والدها الهرم «فوزي» وأطلقها لأنعم بعدها بالثروة، فتضحك خالته قائلة: يا لك من مراب جشع، فيتنحنح خليل قائلاً: «كلنا في الهوا سوا» يا خالة فأنت لم تتزوجي فوزي حباً في سواد عينيه بل من أجل ثروته وأملاكه، ثم ما لبثا ان قهقها سوياً. ولا أدري كيف خرجت امرأة أبي فوجدتني بالقرب من باب غرفتها فداخلتها الريبة بأني سمعت ما دار بينهما فحدجتني بنظرات ملؤها الغضب والشرر يكاد يتطاير من عينيها ثم انقضت عليّ تهزني هزاً عنيفاً قائلة في حدة: ما الذي تفعلينه هنا أظن انك تسترقين السمع، ألم تكوني في زيارة صديقتك، لماذا عدت أم أنها حيلة منك لتتلصصي عليّ ثم سحبتني بعنف وأخذت تضربني ضرباً مبرحاً وأنا أصرخ وأتألم ثم لاحظت أن خليل أسر في أذنها كلاماً تركتني على الاثر وقد شحب لونها وأخذت تحاول ان تتصنع الرقة والعطف وأنهضتني عن الأرض وقالت محاولة أن تكسب كلامها الحنان: هل آلمك ضربي، اغفري لي يا بنيتي فما ضربي لك إلا من قبيل صالحك لأني رأيتك تسترقين السمع وهذه عادة ذميمة لا أريد لابنتي ان تتصف بها، ثم همت بأن تضمني إلى صدرها، ولكن في تلك اللحظة شعرت بنفور منها وكراهية لها بعد الذي كان، فسرعان ما انفلت منها راكضة إلى غرفتي وأنا أجهش بالبكاء ثم قر قراري أن آتيك وها أنا فعلت، ثم أجهشت سمر بالبكاء حتى ان خالتها بكت معها وضمتها إلى صدرها في حنان وقالت سمر بنشيج متقطع: أنقذيني يا خالتي، أولست تقولين ان الخالة في محل الأم؟ فربتت الخالة على ظهر سمر قائلة في حنو: نعم يا بنتي وسأوضح لك الأمر ما دمت قد عرفت بعضا من الحقيقة المرة، لقد توفيت أختي أقصد أمك رحمها الله يوم ان كان عمرك سنة واحدة إثر مرض لم يمهلها، ولقد توليت رعايتك ردحاً من الزمن حتى أراد الله لأبيك الزواج فتزوج ووضعك في عهدة زوجته تربيك وأخذ منها المواثيق ألا تسيء إليك وألا تخبرك بأي حال من الأحوال انها امرأة أبيك وألا تخبرك أيضا بمصير أمك مهما كان الأمر وتمدك بالعطف والحنان ولكن مشيئة الله أرادت لك ان تعرفي الحقيقة، ثم تقول سمر وهي سارحة ببصرها: ولولا الصدفة لبقيت جاهلة مدى الحياة ثم توجه سؤالها نحو خالتها قائلة: لماذا لم تخبريني يا خالتي؟ أيهون عليك أن أبقى جاهلة أمري ومصيري؟ فترد الخالة محاولة تبرئة ساحتها من لوم «سمر»: يا بنتي ماذا أفعل لقد أخذ منا والدك العهود بألا نبوح بما نعرف ثم أتحسبين انه يهون عليّ وأنا أراك تحبين امرأة أبيك أن أكاشفك بالحقيقة المرة: فتقول سمر والدمع في عينيها «نعم كنت أحبها محبة الابنة لأمها غير عالمة بما تحيك لي في الخفاء مع ابن أختها: فتقول الخالة بأسى: ايه.. ماذا نفعل انها إرادة الله.
فتقول سمر «وما العمل الآن أنا لن أذهب إلى منزلنا، سأبقى عندك يا خالتي» فتقول الخالة: وهل ترضى خالتك يا حبيبتي أن تذهبي من عندها بعد الذي صار؟
يعرف والد سمر بالذي جرى وحدث في غيابه بعد أن لاحظ تغيب سمر عن المنزل واضطراب زوجته عندما سألها عنها، فذهب إلى بيت خالة سمر ليستقدمها وليؤنبها على التأخر في العودة ولكنه يفاجأ بالحقيقة التي لم تكن تخطر بباله ويعرف مدى ما كانت تنويه زوجته مع ابن أختها وما يخططان في الظلام لابتزاز ثروته عن طريق ابنته البريئة فما كان منه إلا أن طردها شر طردة من بيته وجعل ابنته تمكث عند خالتها عدة أيام ريثما تهدأ نفسها.
وتمضي الأيام سراعاً فتزف «سمر» إلى ابن خالتها «محمد» ومن أحق بها منه ذلك الشاب الجامعي الذي تكن له كل محبة ومودة.
وتمضي سفينة السعادة بسمر هانئة مرتاحة ثم لا تلبث ان تفجع بموت والدها المفاجئ ومع مرور الأيام تندمل جراح سمر بفضل ما يوليه لها «محمد» من الرعاية والعطف وبفضل ما تمنحها خالتها من الحنان والمودة والتي أثبتت بحق ان الخالة في محل الأم، وتحمد الله سمر على أنها عرفت الحقيقة في ذات يوم بعد ان كاد جهلها لها يحطم مستقبلها وسعادتها.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved