أضحى تلويث الجو والماء آفة وبيلة من آفات المجتمع العصري. ومما قيل مؤخراً في هذا الشأن، هذا الرأي للسيد «أبيل فولمن» في نشرة منظمة الصحة العالمية:
ان أنواع حمى الأمعاء التيفوئيد، والزحار الأميبي، وأمراض الإسهال المختلفة، لم تزل في طليعة الأمراض الخطيرة. وان لم تقتل المصابين فإنها تترك في أبدانهم آثاراً مرضية تشل جزءا من نشاطهم. ويبلغ عدد المصابين كل سنة نحو خمسمائة مليون، ويهلك خمسة ملايين طفل بهذه الأمراض، وان العامل الأول في نشر العدوى هو... الماء !!!
أما في الدول الغنية فقد أحكمت وسائل الوقاية من تلوث الماء إلى حد ما، ويتيسر اليوم تجريد الماء من معظم جراثيمه وأقذاره.
غير ان المجتمعات الصناعية لم تستمد كبير فائدة من هذا التقدم، إذ ألجأها رقيها الصناعي ذاته، إلى طرح مواد التنظيف الكيميائي في الماء، فضلا عن المواد المبيدة للحشرات وشتى السموم اللاتي لا غنى عنها في مجالات أخرى. ومثلهم في ذلك مثل الذي يتناول طعاماً ينفع الكبد ولكنه يضر الطحال!!
أما عن تلوث الجو فحدث ولا حرج!! فرغم كل ما استنبطه العلم من آلات الحماية، ليس لانسان المدن الكبيرة سوى مصفاة رئتيه سلاحاً ضد التلويث، والحق انها مصفاة طبيعية محكمة التقويم ولكنها قد تعجز عن رد كل ما يستنشقه أهل المدن من سموم كيميائية مع الهواء.
ومع انه هب رجاء عظيم يوم استطاع المجتمع العصري ان يستغني عن الفحم ويستعيض عنه بالنفط ومشتقاته، ثم تبين سريعاً ان الحضارة العصرية كأنما استجارت من الرمضاء بالنار، إذ غابت الأضرار من نافذة الفحم ثم رجعت من باب المازوت ونفط السيارات وما إليه.
ذكر الطبيب الفرنسي «ليروا» في كتاب حديث تلويثاً آخر سماه التلويث الصوتي. فأثبت ان نسبة الإصابات بالطرش قد ارتفعت في المدن الكبيرة، ثم ان الضجيج خفف حدة آلات الحس وعطل النوم لدى الكثيرين وخفض القدرة على الانتباه. وزعم أيضا ان جزءاً من حوادث العمل إنما ينسب إلى هذا التلويث الصوتي.
وأغرب ما لاحظوه أيضا بين هذه العوامل المتضافرة على بلبلة حياة إنسان المدن، ان أجهزة تكييف الهواء أصبحت تحدث الصداع والزكام، وان غاز «الكلور» هو السبب في ذلك.
|