عذراً إن نكأت الجراح الغافية.. وأثرت الهواجس المسترخية غير أني حاولت أن أمارس توقيعات مثقلة بشجن الانكفاء وأنا أتهجى اهتمامات شبابنا وأتأمل ميولهم ومدى انغماسهم في ثقافة القشور.. وانخراطهم في قافلة التقليد الأعمى والتأثر الأجوف الذي يمارس اختراقاً حاداً للقيم والأعراف والتقاليد.. حقاً ينالك العجب من جموح انماط شبابية متنوعة وإبحارها فوق امواج تغريب ممجوج عبر ثقافة فضائية بحتة وطوق فني حاد يغتال خيوط فكرنا الأصيل.. وتراثنا النبيل.. هناك شباب مبهورون بالنغم المسافر في اعماقهم.. المحركم لاشجانهم.. المستحوذ على شخصياتهم.. شباب منغمس في بحيرة الفن عبر لهاث فضائي صارخ.. وركض فني محموم.. يريد أن يشبع هذا الفراغ الروحي والغياب العاطفي والخواء الفكري في ظل انحسار مد ثقافة الأصالة وضعف الرعاية الاسرية.. كما ان مؤسسات التربية باتت تعاني مواكبة هذا الزحف الفضائي الفكري بركامه المعرفي المتدفق وبثورته المعلوماتية المتنوعة.
وهاهو زمن الوجع.. يطل علينا حاملاً ثقافة الزيف.. المسكونة بالانهزام والانخذال.. الجيل مصاب بالهوس والتقوقع في زاوية الفن.. ولم يزل يزحف على رصيف الحب.. في زمن نضجت فيه «ثقافة الفضاء» التي افرزتها الاستراحات.
ووقفنا نسائلكم أيها الجيل عطاءً.. نستمطركم انتماءً.. نبحث عن وقت مستقطع يمنحكم بوابة العبور إلى مواقع الفكر الاصيل.. لتشكلوا مفردات الذات. نعم اليس هناك عقيدة سمحة تشمخون بقيمها الراسخة؟ أليس هناك وطن معطاء ينتظر منكم مشاركة فاعلة لتكونوا أعضاء منتجين ولبنات صالحة؟ اما آن لكم أن تعيدوا شيئاً من ملامح ثقافتنا المتوهجة في عصر ضاعت فيه الموازين واهتزت القيم.. وبنى الليل من ظلمائه القمم. على رسلكم.. شبابنا.. فالقنوات الفضائية تفتح في ذواتنا ألف جرح.. وتثير ألف حكاية.. وهي لم تزل تقدم سيلاً من الأفلام.. عبر وجوه صفراء.. تتفح بالإغراء.. وجوه اثقلها المكياج.. واتبعها الاخراج.. آه منك يا جميل.. يا عاشق بثينة.. فقصائدك الولهى تقف على استحياء عند باب كل قناة فضائية.. تحرق اوراقها الغزلية.. آه لم يعد للبوح بقية.
وانت يا قيس.. يا بن الملوح.. ألجم صهيل اشواقك فآهاتك التي حرثت ارض الشعر قصرت عن الوصول الى هامة الحب الآسن الذي نراه يتمطى في أمواج الفن الفضائي الدافئ.. عفواً يا قبيلة عذرة.. فلقد سرق منك المخرجون حكاية الغرام.. في سباقهم وراء الافلام.. ولم تعد بثنية لوحدها.. فلقد امتلأت مرايا الزمن المكلوم بألف بثينة.. والف جميل.. وبألف قتيل.. تحت ظلال الهوى المفعم بأنات الجوى.. آه تاهت الاحلام وتزاحمت الاسئلة عند باب الكلام.. آه منك ايها الفن المسقي بالذبول.. حينما تعصف باهتمام الجيل وتبعثر اوراقه.. شنفت آذانهم بأغان فريدة حذرت مشاعرهم.. ولويت اعناقهم بمشاهد الحب الرخيص.. عذراً ..شبابنا يا رعاكم الله.. رفقاً بنا.. فأنتم مشروع الأمة.. وحاملو حضارة الوطن.. وانتم رواد القيم ورافعوا قناديل المعرفة.. اعيدوا تشكيل مفردات ثقافتكم.. راجعوا ملامح بذلكم وجوانب عطائكم لتتجلى نقوشاً مضيئة في جبين الوطن.. في موقف نبيل.. يرد الجميل.. فبكم تزهو هامة الوطن المسافر في اعماقنا حباً وامتزاجا.. اجل بإمكان شبابنا إعادة تشكيل ثقافته وانتماء مشاربه وتوظيف طاقاته والنهوض بقدراته وحماية فكره بصورة تسهم في ابراز ملامح البعد الوطني وتعميق الحس الديني الاصيل.. الجيل مطالب بالارتقاء بفكره والسمو بأهدافه وبلورة معطيات ثقافية صافية.. انه نزوح جميل من الذات الى الذات.. ارتحال بمفردات الانتماء.. في قاموس العطاء.. هكذا يكون عزفاً منفرداً على وتر الذات.. الفاعلة.. العاملة التي ترتفع بحضور مشرف.. وقيم نبيلة بعيداً ْعن قيود اللهو والعبث وطقوس الفراغ المثقوب.. المجتمع مطالب بالوقوف مع هذا الجيل والاخذ بيده كما ان الخطاب الإعلامي بكل منابره ينوء بمسؤولية كبيرة ننتظرها منه للوقوف مع مؤسسات التربية ومعاضدتها في بناء فكر الجيل.. وصياغة ميوله وضبط اتجاهاته عبر قالب وطني وإطار ديني يفرز جيلاً صالحاً محفوفاً برسوم النضج وعلامات الوعي.. حقاً سئم الجيل مفردات التخذيل واسطوانات التأنيب الرتيب.. امنحوه شيئاً من الرعاية ونصيباً من السقاية.. ازرعوا الثقة وارفعوا من روحه المعنوية فعلى ضفاف الوطن تشمخ اغصان الزيتون.. وتسمق الجبال.. تثمر الآمال.. ولم نزل نقرؤك عشقاً. .ونتهجاك شوقاً.. ايها الوطن المتوغل في اعماقنا.. رعى الله هاتيك الخريطة.
محمد بن عبدالعزيز الموسى/بريدة
|