تقدمت الى القاضي ويداها منتفختان بسبب جراح أصابتها ودموعها تسبق كلماتها وهي تأن ربما كانت في ربيعها الرابع وتقدمت بين يدي القاضي بورقة تشكو حال ابنائها الذين منعوها من زوج خاطب واصرت على ان تتزوج به لعدم التزامهم بها وحاجتها لمن يهتم بها فما كان منهم الا ان هجموا عليها وضربوها وادموها وحجروها في البيت ثم تمكنت من الفرار منهم ولجأت الى القضاء طالبة النصر من الله عز وجل ثم من القضاء الشرعي الذي هو نعمة كبرى من نعم الله وسبب من اسباب تحقق الامن في عقر دور الناس ونصرة المظلوم لقوله عليه الصلاة والسلام «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» ثم انه هو حماية للظالم من نفسه ان يصل الى جهنم، او ان يصل الى مراحل تؤدي به والعياذ بالله الى العقوق فهؤلاء الاولاد منعوها ان تتزوج برجل لاعتبارات يرونها وهم فيها ظالمون لانه لا يحق لهم منع امهم بالزوج المكافئ لها ديناً ونسباً فالزواج حق مشروع كفله الله سبحانه وتعالى للمرأة سواء كانت مطلقة ذات بنات وبنين ام كانت غير مطلقة او كانت ليس لها بنات ولا بنين ولكن يجب ايضاً ان تؤخذ في الاعتبار ان للاولاد غيرة من زوج الام وهذه الغيرة ربما يسلكون بها مسلك الحيلة، تحدثني والدتي رحمها الله تعالى عن طرفة وتسمي اصحابها تقول تزوج رجل بامرأة لها اولاد كبار وكانوا في المزارع يغتسلون في الشواطئ المسترة بجريد النخل فلما خرج يغتسل جلس اثنان من اولاد امرأته احدهما في مكان والآخر في مكان آخر فأطلق احدهما النار وصوت للآخر اصبته فقال الآخر لا اتجه شمالاً لم تصبه، فهم لا يريدون قتله وانما يريدون ترويعه فانطلق يعدو من تلك القرية الى قرية اخرى عارياً لم يستطع ان يأخذ ملابسه ثم ولى مدبراً ولم يعقب، ولم يرجع لأبيه وكانوا من قبل يأتون ويجدون ألذ الطعام قد وضع في مطبقة فيفتحونها ويأكلون الطعام ويضعون بدل منه «خثي البقر» ولا تشعر امهم بذلك فاذا قدمت الطعام للزوج تظنه طعاماً ثم كشفته عرفت حيلتهم، فعلوا ذلك اكثر من مرة حتى هرب الزوج كل هذا العمل يتوقع حصوله من اولاد الزوج الاول لشدة غيرتهم ولكن ان يمنع اولاد الزوج الاول امهم من حق مشروع وهي تلح وترغب به ولا تستطيع الفكاك منه فهذا ظلم عظيم جداً وفيه خطر العقوق وهؤلاء الذين ضربوا امهم عندما آذوها ومنعوها من ان تتزوج وعضلوها تقدمت الى القاضي الشرعي فما كان من القاضي الشرعي الا ان اسقط ولايتهم وزوج المرأة بالرجل الذي تريد، الرجل الذي تزوجها حصيفاً قوياً منيعاً استطاع ان يدافع عنها واستطاع ايضاً بحسن خلقه ان يضعهم امام الامر الواقع وان يكرمهم ويتلطف معهم لأن لهم حقاً في هذا ايضاً اذا فالمعارضة على زواج الام ممن تريده معارضة بمجرد الغيرة او التحدي هذه ضرب من العقوق اما اذا كانت الام سفيهة تريد ان تتزوج بمن لا يماثلهم ديناً ولا خلقاً ولا نسباً واحياناً ولا لوناً وان تريد ان تنتقم من ابيهم بهم لكرهها لأبيهم او نحو ذلك او تريد ان تلحق بهم ضرراً بأي وجه من الوجوه فإن لهم حق منعها وحق رفع الضرر عنهم ولكن بطرق مؤدبة لبقة.
نسأل الله ان يصلح احوال المسلمين وان يكفينا شر الاشرار وان يرزقنا البر بآبائنا وامهاتنا وان يصلح احوالنا واحوال المسلمين جميعاً إنه سميع قريب مجيب.
( * ) القاضي بالمحكمة الكبرى في الرياض
|