* المدينة المنورة - الجزيرة:
خلق الله العباد على الحنيفية السمحة، وجبلهم على الفطرة النقية، والشيطان عدو الإنسان، يقعد له الصراط المستقيم، ويأتيه من كل جبهة وسبيل، حتى احتال من شاء الله منهم، فكبت عقولهم، وأصابتها لوثات وعلل، آمن بعضهم بالخرافة، ورضي آخرون بالكهانة، فباتوا سادرين على باطلهم، لاهين بالسجع والتخمين، يقذفون بالغيب في كل حين، اخبارهم اساطير وأوهام، وخليط كلام، والإسلام دين يزيل الخرافة من الفكر، والرذيلة من القلب، ومع ذلك فقد ضل بعض الناس فلم يقفوا عند حدود ما اخبرتهم به الرسل من غيوب ماضية وحوادث قادمة.
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف: إن الساحر والكاهن يفتن قلوب البسطاء، ويخدع السذج والرعاع، عمله شر وبلاء، يتجافى عن أولو الألباب، وينأى عنه أصحاب الفطر السليمة، والقلوب المستنيرة، يقول - عز وجل - {كّذّلٌكّ مّا أّتّى الّذٌينّ مٌن قّبًلٌهٌم مٌَن رَّسٍولُ إلاَّ قّالٍوا سّاحٌرِ أّوً مّجًنٍونِ}، فجميع الأمم واجهت رسلها بهذه المقالة الظالمة.
ولقد كان السحر - ولا يزال - منزلقاً لم يجن البشر من ورائه إلا ثمرات مرة، سترها الشيطان وأتباعه بغلالة رقيقة من خدع لا تروج إلا على الطغام من البشر.
ويتساءل د. القاسم: لماذا يسحرون الناس؟، ويقول: ومن عجب ان هناك صنفاً من الناس هدفهم الإيذاء والإضرار، احبوا الشر وأقاموا عليه، يفرقون بين الأخلاء، وينشرون بكيدهم الفرقة والنزاع سلاحهم المكر والدهاء، تأكل النار قلوبهم، وينخر الحقد أكبادهم ، يشعل الواحد منهم فتيل الحسد ويوقد نار الحقد، اركض عليهم الشيطان بخيله ورجله حتى اورده المزالق ودركات المهالك، وقاده الى حيث يطفأ نور الإيمان عند ساحر أو ساحرة.. موضحاً ان الشيطان رفع لواء السحرة والكهان بعمله وكفره، يتلبس بهم الشيطان وينطق على لسانهم، ولذا ترى الشياطين تألف هذه النفوس الخبيثة التي تدنست بالشر، ورضيت به، يقول تعالى:{ وّإنَّ الشَّيّاطٌينّ لّيٍوحٍونّ إلّى" أّوًلٌيّائٌهٌمً }، أعمال السحرة.
وقد يرتكبون في سبيل ارضاء أنفسهم الخبيثة، وأهوائهم الدنسة الحماقات والشركيات، فيباشرون النجاسات، ويأوون إلى الأماكن المستقذرة، يكرهون سماع القرآن وينفرون عنه، يذبحون الحيوانات ذاكرين عليها غير اسم الله، لا يتطهرون ولا يتوضأون، صفاتهم الجهل والضلال والكذب والبهتان، لا يرتقي في سحره ما لم يعبد نفسه للشيطان، تتدنس نفسه بالخبث والفساد، وتتلذذ بالشر والبلاء، وتتعاظم عنده الرغبة في الإيذاء، والقليل منهم ينال بعض غرضه الذي لا يزيده من الله إلا بعداً {سّمَّاعٍونّ لٌلًكّذٌبٌ أّكَّالٍونّ لٌلسٍَحًتٌ فّإن جّاءٍوكّ فّاحًكٍم بّيًنّهٍمً أّوً أّعًرٌضً عّنًهٍمً }.
ويضيف د. القاسم: ان الساحر دان للشيطان، فخبثت نفسه، وأظلم قلبه، وتدنست أخلاقه، يغرس الشر حيثما حل، والفرقة أينما نزل، وإنه مع ما بذله من جهد ومشقة، ويقدمه من تضحيات في سبيل الشيطان ورضاه بالذل والخنوع، وارتكاب المخازي وبيع روحه، وكل ما يملك لإبليس فإن جزاءه من عدو الله الحسرة والندامة والتخلي عنه عند المصائب والنوائب.
حقيقة السحر
وعن حقيقة الساحر يوضح د. القاسم نفى الله الفلاح عنهم بقوله:{وّلا يٍفًلٌحٍ السَّاحٌرٍ حّيًثٍ أّتّى" } أى: لا يفوز ولا ينجو حيث أتى من الأرض، وإن لقدرات السحرة حدوداً لا يمكن تجاوزها، فلا يستطيع الساحر أن يوقف الشمس ولا أن يسقط النجوم، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: «ليسوا بشيء»، قالوا: يا رسول الله، إنهم يحدثوننا أحياناً بالشيء فيكون حقاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة» متفق عليه.إلا أنه يتعجب من بعض الناس الذين لا يزالون يجرون وراء أواهم السحرة والعرافين والدجالين، ويضيع بسبب ذلك الأوقات والأموال، وقد تزهق معه النفوس والأرواح، يتخذون من التنجيم صناعة، ومن النجوم مستنداً يتكئون عليه عند حلول الملمات والكربات، وما علموا أن مفاتيح الخير ومغاليقه كلها بيد الله الواحد القهار.
ما الفائدة من السحرة؟
ويؤكد إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف ان الذين يلجؤون الى السحرة لا يرجعون إلا بالحسرة والخيبة، وحسبهم أنهم تركوا الملاذ الحق الذي يجب اللجوء إليه، وهو رب العباد، وهم بذلك يدمرون أنفسهم قبل غيرهم، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وكلما ابتعد المرء عن الله واللجوء إليه والتوجه إليه عظمت عنده الحيرة، وكثر البلاء في وجهه، ومن يتعرض لأعراض المسلمين بالضرر تحصل بينه وبين الناس وحشة كلما قويت بعد منهم، ومن مجالستهم حتى تستحكم تلك الوحشة فتقع بينه وبين أهله وولده وذوي رحمه وبينه وبين نفسه، وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، {وّمّن يٍهٌنٌ اللَّهٍ فّمّا لّهٍ مٌن مٍَكًرٌمُ إنَّ اللَّهّ يّفًعّلٍ مّا يّشّاءٍ}، يقول عليه الصلاة والسلام: «من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» رواه الأربعة والحاكم وصححه، وقال صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
حكم السحر
وحول حكم الساحر يوضح د. القاسم ان خطر السحرة على الأفراد والمجتمعات قد تفاقم، وجاء حكمهم بقطع أعناقهم، ففي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الى عماله ان «اقتلوا كل ساحر وساحرة»، وصح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية سحرتها فقتلت، إنهم يتكئون على معبود هزيل لا يستطيع ان يفتح باباً مغلقاً، ولا أن يكشف آنية خمرت، ولا أن يحل قربة او كيت، يتكئون على من يهرب من الأذان، ويخنس من الذكر {قٍل لاَّ يّعًلّمٍ مّن فٌي السَّمّوّاتٌ وّالأّرًضٌ الغّيًبّ إلاَّ اللَّهٍ وّمّا يّشًعٍرٍونّ أّيَّانّ يٍبًعّثٍونّ }لقد فضل الله الإنسان وحماه وحفظه، وجعل له من العدة ما يحميه من عدوه، فالإيمان بالله جنة، والذكر عدة، والاستعاذة به سلاح، فإذا أغفل الإنسان جنته وعدته وسلاحه فهو الملوم وحده، إن الشيطان وحزبه لا يسلطون إلا على الغافلين، أما الذاكرون لله فهم ناجون من الشر ودواعيه الخفية والظاهرة، ناجون من الوسواس الخناس الذي يضعف عن المواجهة ويخنس عند اللقاء وينهزم أمام العياذ بالله، إن الالتجاء الى الله وحده والاستعاذة واللياذة به يفعم القلب بالقوة والثقة، ويحميه من الهزيمة.
الساحر وطالب السحر
وسألنا د. القاسم عن موقف الساحر وطالب السحر من الرؤية الشرعية، فقال: السحر منكر وكفر وهو من نواقض الإسلام، قال تعالى: { وّمّا كّفّرّ سٍلّيًمّانٍ وّلّكٌنَّ الشَّيّاطٌينّ كّفّرٍوا يٍعّلٌَمٍونّ النَّاسّ السٌَحًرّ } وإن هذه الدنيا دار الابتلاء وامتحان، الإنسان فيها معرض للمصائب والفتن، وللفقر والمرض، والمكلف مأمور بتعاطي الأسباب الشرعية والمباحة، ممنوع من تعاطي الأسباب المحرمة، والأمور كلها بيد الله، فهو الذي يشفي من يشاء، ويقدر الموت والمرض على من يشاء، فعلى المسلم الصبر والاحتساب والتقيد بما أباح الله من الأسباب، والحذر مما حرم الله عليه، مع الإيمان بأن قدر الله نافذ، وأمره سبحانه لا راد له، والموت على التوحيد خير من الحياة على الشرك والكفر، وما عند الله خير وأبقى.
علاج المسحور.. كيف؟
وهل هناك علاج للمسحور؟ أفاد د. القاسم بأن أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية فهي أدويته النافعة، والسحر من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية، ودفع تأثيرات يكون بما يعارضها ويقاومها من الاذكار والآيات والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، والقلب إذا كان ممتلئاً من الله معموراً بذكره، وله من الدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يخل به يطابق فيه قلبه لسانه، كان سالماً بإذن الله من إصابته بالسحر، والمسلم إذا استعاذ بالله يستعيذ بالمولى فهو نعم النصير.كما يرى أرباب السحر أن سحرهم يتم تأثيره في القلوب الضعيفة، والنفوس الشهوانية، التي هي معلقة بالسفليات، ولهذا غالب تأثيرها يكون على من ضعف حظه من الدين والتوكل على الله، وعلى من لا نصيب له من الأوراد الإلهية، والدعوات والتعوذات النبوية، وأعلم ان لا تأثير للسحر إلا بإذنه تعالى، كما قال سبحانه:{وّمّا هٍم بٌضّارٌَينّ بٌهٌ مٌنً أّحّدُ إلاَّ بٌإذًنٌ اللَّهٌ }، وإن أنفع الرقي «ما كان بالقرآن العظيم، ففي التطيب والاستشفاء بكتاب الله - عز وجل - غنى تام ومقنع عام، فإنه النور والشفاء لما في الصدور، والدافع لكل محذور، وللمعوذتين أثر في إزالة السحر، والشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم، لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها؟ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه.ويطالب د. القاسم بضرورة تقوية الإيمان بالله، واليقين به في مواجهة الشكوك والشبهات والأساطير والخرافات، لتبدد سحب الأوهام وتزيح ركام الخرافات والأباطيل، وإياك وولوج سرداب الكهنة والسير مع الوهم والخرافة، ولا يخدعنك الشيطان فيوهمك بأن كل لمة أو علة مرض هي سحر، فالمرء في هذه الحياة يعرض له المرض والهم، واتخذ رب المشرق والمغرب وكيلاً تلجأ إليه أناء الليل وأطراف النهار، واقتد بنبيك صلى الله عليه وسلم، وبصحابته الكرام، والصالحين من العباد في التوكل على الله وحده، والالتجاء إليه سبحانه، واطلب الشفاء منه والاقتصاد على ما أباحه من الأسباب، فذلك سبيل النجاة في الآخرة والأولى.
|