Friday 17th october,2003 11341العدد الجمعة 21 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق
حمد العسوس

إذا أُطلق لفظ الإنسان مجرداً.. فإنه يشمل كل فئات البشر وأجناسهم وأعراقهم.. قال تعالى: {إنَّ الإنسّانّ لّيّطًغّى" أّن رَّآهٍ \سًتّغًنّى"}.أي: كلُّ إنسان ذكراً كان أم أنثى.. صغيراً أم كبيراً.. عربياً أم أجنبياً.. مسلماً أم كافراً.. حُرَّاً أم عبداً.. غنياً أم فقيراً.. أميراً أم خادماً..!
وبالتالي فإنَّ حقوق الإنسان يجب أن تحفظ وأن تراعى لكل هؤلاء، في كل زمان وفي كل مكان.. في الحرب وفي السلم.. في البيت وفي الشارع.. في السفر وفي الحضر.. وفي المدرسة.. وفي مكان العمل.. وفي السجن..؟!
حتى السجناء يجب أن توفر لهم حقوق الكرامة والمعيشة والراحة والتعامل الإنساني والتعليم والتهذيب والنظافة والرعاية الصحية داخل السجن..!
والآباء والأمهات ينبغي أن توفر لهم حقوقهم في الطاعة في غير معصية الله، والتقدير والاحترام والرعاية والدعاء لهم بالرحمة..
والابناء والبنات يجب أن يتمتعوا بحقوقهم في التربية والنفقة والعطف والحنان والمتابعة والتشجيع والتوجيه والمؤازرة وزرع الثقة في نفوسهم.
والزوجات لابد أن توفر لهن حقوقهن في الكرامة والتقدير والنفقة والاحترام والثقة والحنان والمحبة والألفة والمودة والرحمة.
والأزواج لابد أن توفر لهم حقوقهم في التقدير والاحترام والحفاوة والزينة واللباقة والخدمة الراقية والرومانسية من قبل زوجاتهم..
والملوك وولاة الأمر يجب - بأمر القرآن الكريم - أن توفر لهم حقوق الطاعة والإجلال والمناصحة والمعاونة والولاء..والخدم والعمال لهم حقوق الرعاية والرحمة والشفقة والنفقة والمعاملة بالتي هي أحسن..
وأصحابُ الديانات الأخرى لهم حقوق يجب أن تراعى في المعاملة الحسنة وعدم الاعتداء على أنفسهم أو على أموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم، ما داموا مسالمين ولم يعتدوا علينا.. قال تعالى: {فّمّنٌ اعًتّدّى" عّلّيًكٍمً فّاعًتّدٍوا عّلّيًهٌ بٌمٌثًلٌ مّا اعًتّدّى" عّلّيًكٍمً..} الآية.
والطالب له حقوق والمدرس له حقوق، والرئيس له حقوق والمرؤوس له حقوق، يجب أن تراعى وأن تحترم.وألا ينال التقصير شيئاً منها..
هذه أمور بدهية.. لكن هناك من يغفل عنها، ولذا أحببت التذكير بها والإشارة إليها من باب {وّذّكٌَرً فّإنَّ الذٌَكًرّى" تّنفّعٍ المٍؤًمٌنٌينّ}.
ودين الإسلام شدد على رعاية حقوق الإنسان والحيوان والنبات، وليس الإنسان - فقط - والشواهد على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة.. ولست بصدد استعراضها هنا.
لكنني بمناسبة انعقاد «مؤتمر حقوق الإنسان في السلم والحرب» لأول مرة في المملكة العربية السعودية، أحببت أن أشير إلى نقطة مهمة تثير حفيظتي وتوتر أعصابي كلما دار الحديث عن حقوق الإنسان في المملكة وفي العالم العربي والإسلامي بشكل عام..؟!
وهي أن النظرية لدينا في مجال رعاية حقوق الإنسان تغلب على التطبيق، وأننا نركز دائماً على الحديث عن الجانب النظري ونهمل الجانب العملي.
كيف..؟!لابد أن نعترف بأن هناك تقصيراً واضحاً في حقوق الإنسان في التعليم وفي التوظيف وفي الرعاية الصحية وفي الدفاع والحماية والمرافعة.. وإذا اتهمنا بالتقصير في شيء من هذه الحقوق.. انبرى قوم من بني جلدتنا لنفي التهمة وإثبات أن جميع حقوق الإنسان موفورة وليس هناك أي تقصير في هذا الجانب.. وذلك بالرجوع إلى الآيات والأحاديث والأقوال المأثورة التي تحض على رعاية حقوق الإنسان..؟!
بمعنى آخر.. فإنهم يعرضون الجانب النظري ويبالغون ويتوسعون في عرضه.. لكنهم لا يلامسون الواقع، ويغفلون أو يتغافلون عن الحقوق الإنسانية المهدرة في البيت وفي الشارع وفي المدرسة وفي مكان العمل وفي المحاكم وأقسام الشرطة والسجون..!
كم نظلم الزوجات وكم نظلم الأبناء والبنات. وكم نظلم الفقراء والطلاب والموظفين والعمال والمتهمين والسجناء والخادمات والسائقين - دون أن نترك لهم فرصة للدفاع عن أنفسهم، ودون أن نرتب هيئة للدفاع عنهم، وعن حقوقهم..؟!
وكم من الكتب التي طبعت.. وكم من الخطب التي ألقيت.. وكم من المقالات نشرت.. وكم من المؤتمرات التي عقدت.. ليست للدفاع عن حقوق الإنسان.. وإنما للدفاع عن الاتهام بالتقصير في رعايتها..؟!
إنها - فقط - لدفع التهمة، والتظاهر بأننا نطبق مبادئ حقوق الإنسان ونرعاها ونحافظ عليها..؟!
.. إنها - فقط - من باب الحمية الجاهلية عن القوم والوطن والأمة.. وأما في الواقع.. فإنك لو فتشت عن أوضاع هؤلاء المدافعين الداخلية والأسرية لوجدتهم أول المقصرين في رعاية تلك الحقوق..؟!
رعاية حقوق الإنسان ليست آيات وأحاديث و أقوالاً مأثورة.. تروى ويستشهد بها في المجالس وعلى المنابر وأعمدة الصحف - عندما يدور الحديث عن تلك الحقوق، أو عندما نتهم بالتقصير في رعايتها..؟!
رعاية حقوق الإنسان لا يكفي أن تكون نظرية محفوظة على رفوف المكتبات، نلجأ إليها ونعرضها عند الحاجة.. أو شعاراً نرفعه للدفاع عن أنفسنا..؟!
رعاية حقوق الإنسان يجب أن تكون ثمرة وواقعاً ملموساً ونتيجة لتلك النظرية المعلقة في الهواء..
ويجب أن تصبح استجابة تلقائية وعاطفية لكل النصوص الدينية والأدبية والقانونية التي تحدد حقوق الإنسان وتدعو إلى الالتزام بها وتطبيقها.
فنحن قوم متفوقون في التنظير وفي عرض النظرية.. لكننا مقصرون ومقصرون جداً في تحويل النظرية إلى واقع يعيشه الجميع ويلمسه ويحس به الجميع..؟! أين حرية الإنسان الدينية والمذهبية.. أين حرية الإنسان الشخصية والمظهرية.. أين حرية الإنسان الفنية والأدبية والمهنية.. أين حرية الإنسان في التعبير.. أين حرية الإنسان في الزواج.. أين.. أين.. أين..؟!!
كل هذه الحريات التي أتاحها الإسلام للإنسان.. أصبحت مقيدة، بل محرمة بالأنظمة والقوانين والفتاوى والعادات والتقاليد.. وقانون العيب والخوف من السلطة الرسمية والدينية والاجتماعية والأسرية..؟!
نحن مقصرون في رعاية حقوق شعوبنا وموظفينا وطلابنا وعمالنا وعائلاتنا وضيوفنا..؟!
هذا هو الواقع الذي يختلف عن النظرية التي بقينا، على مدى قرون، ونحن نعمل على تحسينها وتطويرها واكتمالها.. لكننا مازلنا عاجزين عن تفعيلها على أرض الواقع..؟!
إن الدفاع المستميت، الذي يبذله المدافعون عن حقوق الإنسان لدينا، هو دفاع عن النظرية فحسب، ومحاولة لدفع الاتهام بأي تقصير أو تهاون في رعاية تلك الحقوق.ولذا لابد أن نتجاوز هذه الدائرة المفرغة إلى دائرة البحث عن مظاهر رعاية حقوق الإنسان على أرض الواقع.. في البيت والمدرسة والشارع ومكان العمل وفي المحاكم وأقسام الشرطة والسجون ومراكز التوقيف.ولابد من تلمس جوانب النقص والتقصير في رعاية كرامة الإنسان مهما كان جنسه وجنسيته وأصله وفصله ومهنته، ومن ثم نسعى إلى معالجة تلك الجوانب.. لكيلا نكون عرضةً للاتهام بالتقصير والإهمال والادعاء من المدافعين عن حقوق الإنسان، ولكي نثبت للعالم أننا أصحاب دين يضع لحقوق الإنسان أهمية كبيرة وأننا نطبق الجانب الأخلاقي في هذا الدين، بنفس الدرجة التي نطبق بها الجانب التعبدي والمادي.
ولعل هذا المؤتمر الذي يعقد في الرياض يكون نقطة تحول في الفهم الصحيح لرعاية حقوق الإنسان، ونقطة انطلاق لتحولنا من النظرية إلى التطبيق ومن العلم إلى العمل، ليس في ميدان حقوق الإنسان فحسب.. بل في كل ميادين العمل والخلق الإنساني النبيل.
إن دورنا - وخصوصاً فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي - يجب أن يتجاوز مرحلة التنظير ومرحلة الدفاع عن أنفسنا، ومحاولة نفي الاتهامات التي توجه إلينا، والنقد الذي نواجهه من بعض المنظمات والشخصيات المعنية بحقوق الإنسان والدفاع عنها..
فهذا السلوك ديدن المقصرين الذين يسعون لإخفاء جوانب التقصير..
دورنا.. ينبغي أن يكون دوراً انتقالياً.. وتغييراً عملياً.. وتطبيقاً للمبادئ التي نعرضها..
عندها.. يجوز لنا أن ندافع عن أنفسنا وأن ندفع التهم والانتقادات التي توجه إلينا..، وأن نعلن على رؤوس الأشهاد أننا مجتمع إنساني يحارب الظلم وينشر العدل والأمن والرخاء ويوفر كل أسباب الراحة والحياة الكريمة لأفراده وللمقيمين فيه - على حد سواء.
وعندها - فقط - لن يجد أحد أي ثغرة لمهاجمتنا أو انتقادنا أو اتهامنا بالتقصير في هذه الحقوق.

(*) مساعد مدير عام إدارة الدراسات بمجلس الشورى

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved