مرت أكثر من مائة عام على تأسيس الكيميائي السويدي (الفريد نوبل) لجائزة نوبل، التي بدأت منذ نهاية عام 1901م والتي تعتبر سقفاً لكل الجوائز العالمية.
ولكن لا نستطيع أن ننسى بأن نوبل قتل شقيقه الأصغر وأربعة من زملائه في واحدة من تجاربه للمتفجرات، ثم منح أخيه الضحية الجائزة.. أراد نوبل أن يتفوق على والده في صناعة المفرقعات والمتفجرات، وتمكن بالفعل من تحقيق ذلك كما استطاع أن يرتكب أكبر جرائم القتل التي عرفتها البشرية.. ولكن ليس لقتله أخيه وزملائه فقط.. بل لقتله مئات الملايين من البشر في المائة عام الأخيرة، ويرى بعض المحللين والنقاد أن نوبل ربما أدرك متأخراً ما صنع من شر وما خلف للبشرية من دمار... فأوصى بوقف تسعة ملايين دولار من ماله يمنح ريعها لجائزة تنسب إليه، وتوجه إلى العقل البشري حين يبدع ويقدم عملا مثاليا في ميادين الطب الفسيولوجيا الفيزياء الكيمياء أو أي من ميادين العلم أو الأدب أو عندما يقوم الإنسان بعمل يخدم السلام....
ويجب أن تمنح دون اعتبار للجنسية أو الديانة.. بل لمن يقدم عملا يستحق ذلك دون تمييز...
بالرغم من أن تلك الملايين التي تستثمر هي في الأصل من عائد استثماره للشر الذي كان يصدره للعالم.
ففي عام 1863م سجل نوبل أول براءة صنع مزيج النترجلسرين والبارود للحصول على مفرقع قوي والذي تسبب في قتل شقيقه وأربعة من زملائه عام 1864م، وبعد عامين من تلك الحادثة توصل إلى صناعة الديناميت الناسف، وظل يمضي قدماً في تطوير صناعة المفرقعات والمتفجرات حتى حقق ثروة طائلة من وراء ذلك كما حقق الكثير من براءات الاختراع المشابهة، كما اخترع ما يسمى (بالموت الرحيم) وهو قتل من يشكو مرضا عضالا بطريقة سهلة وسجل بذلك براءة اختراع أيضاً. إن جائزة نوبل صاحبها مرتكب لأكبر جريمة في القرن العشرين، والعرب والمسلمون هم أكثر من يذوق ذلك في القرن الواحد والعشرين....
واجهت جائزة نوبل الكثير من الانتقادات، والمآخذ وسأكتفي بطرح بعض من أشهر تلك المآخذ. فلقد أعلن أدباء السويد أنفسهم عام 1901م بأن البروفيسور (ويرسين) أمين عام لجنة الجائزة، يتميز بالجهل والتفاهة والغباء...، لاختياره شاعراً فرنسياً مغموراً للجائزة وهو (بريدوم) وتخطى أديب روسيا العظيم (تولستوي) والأديب الأرلندي الكبير(برنارد شو) والكثير من عظماء ذلك الزمان المعاصرين له....
كما رفض فيلسوف فرنسا الكبير (جون بول سارتر) جائزة نوبل المقدمة له عام 1964م، وقال عبارته الشهيرة (بأنه يرفض صكوك الغفران التي تمنحها جائزة نوبل)، كما رفضها الأديب الكبير (برنارد شو) لأنها تخطته عدة سنوات واختارت من هم أقل منه وقال (لا حاجة لي إلى عوامة للنجاة.. فلقد وصلت إلى بر الأمان). كما منعت الجائزة عن الأديب الإسباني (أبانيز) لأنه صرح بأن (حكم أبناء الشمال الأوروبي ومنهم السويديون لوطنه إسبانيا خرب في سنوات ما صنعه العرب في قرون).
ومن أكبر الانتقادات التي واجهت جائزة نوبل كانت في مجال (السلام) لدخول السياسة ولعبها دوراً رئيسياً في الجائزة، فلم تمنح جائزة نوبل للسلام إلى رجل عاش ومات من أجل السلام مثل (غاندي) بينما تمنح مناصفة إلى رجلين وصلا للتو من ميدان القتال عام 1973م، وهما الأمريكي (هنري كيسنجر) والفيتنامي (دوك تو) أي بين المعتدي والضحية، كما منحت جائزة نوبل للسلام مناصفة عام 1978م بين الرئيس الراحل محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل (مناحم بيغن)! بالرغم من ان الرئيس المصري خاض حربا مشروعة لاسترداد حقه وأرضه المغتصبة بينما مناحم بيغن مغتصب لأراض عربية وله تاريخ إرهابي أسود وظل حتى عام 1977م ممنوعاً من دخول بريطانيا....لقد واجهت جائزة نوبل من أجل السلام الكثير من الانتقادات لكونها توجه في بعض الأحيان إلى المتحاربين بينما تحجب عن دعاة السلام، حتى أصبح جزاء العاملين من أجل السلام من هذه الجائزة هو جزاء (سنمار المشهور)....وفي الوقت الذي كانت تلاحق فيه الجائزة أدباء أمريكا، كانت تحجب عن روسيا، وإن وجهت لواحد من الروس فلا بد أن يكون من المنشقين أو أصحاب المواقف المستنكرة لسياسات الكرملين، كما لم يستبعد النقاد الميول السياسية والعنصرية للجائزة، فإعطاء الأديب الأمريكي (سنكلير لويس) لجائزة نوبل للأدب وهو متواضع في مقدرته الأدبية مقارنة بالكثير من الأدباء المعاصرين له والأفضل منه.. لكن كما يقول النقاد لقد تغلبت جنسيته الأمريكية على قدراته الأدبية وعلى الآخرين، وانتقدوا بشدة سكرتير الأكاديمية السويدية آنذاك (إيزل كارل فلرت) لأنه لم يخجل بتعليقه على ذلك أمام العالم بأن سنكلير لويس يجسد بوضوح (الاتجاهات الأمريكية) في وجهات نظره واتجاهاته، كما أعطى الشاعر الإنجليزي (كبلنغ) جائزة نوبل وهو من دعاة العنصرية القائل (الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا) إلى جانب أعماله الأدبية التي تجسم النزعة الاستعمارية الواضحة لديه مثل (رسالة الرجل الأبيض) و(جنجادين)، كما اختير (تشرشل) السياسي البريطاني الملقب (بالداهية) لجائزة نوبل للأدب عام 1952م لأن اختيار هؤلاء البريطانيين كان اختياراً للدولة المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وللإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.ويبقى السؤال الكبير هل لجائزة نوبل تاريخ مشبوه؟
(*) عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
فاكس: 6066701 ص.ب 4584 جدة 21421
|