نحن عشاق الشعر لا نكتفي بأن نجد نفوسنا في نصوصه الممتازة، بل نتجاوز ذلك لنجد فيه علاجاً لبعض ما ينتابنا من آلام وأحزان في هذه الحياة المليئة بالورود والخمائل والأشواك، وكم كانت آلام الإنسان سببا في ازوراره عن الحياة ومقته لها وتمنيه الانعتاق من نيرها الثقيل، وهنا يتقدم الشعر إلينا بترياق للسموم السارية في نفوسنا. وبلسم للجراح الدامية في أكبادنا وقلوبنا، فقصص الأبطال الأشقياء، ومآسي المعذبين المحرومين، وآلام الحائرين الضالين، كما يرويها الشعر العربي، من شأنها أن تؤنس كل معذب وشقي وحائر، وتخفف عنه من هول المصاب، إذ بواسطتها ينفث صدره ما يمزقه من ألم مبرح، ورب كلمة شعرية ردت الروح إلى الميت، والأمل إلى اليائس، والثقة إلى الضال، والهداية إلى الحائر. وليس الشعر الباسم وحده هو الذي يفيدنا في التغلب على همومنا البشرية، فحتى الشعر العابس قد يستطيع ذلك، طالما كان في تكاشف البؤساء والأشقياء وسيلة لإعادة الابتسام إلى وجوههم المكفهرة، وتخفيف لعبئهم الثقيل. ومن أكبر وسائل سعادة الإنسان أن يسكن إلى من يشاكلونه في الطبع والمزاج، ويقاسمونه مصيره سنة النفس الانسانية، حيث تجد في أسباب سعادتها أسباب شقائها، والعكس بالعكس، فكم نتألم ونحن في أوج فرحنا، وكم نتلذذ ونحن في أسوأ حالاتنا، وما الضحك نفسه إلا حيلة من الطبيعة للتخفيف من مضاعفات الاحساس بالألم عند الإنسان، ومن ثم كان هذا الاختلاط بين عوامل البكاء وعوامل الضحك حتى ليصعب التفريق بينهما أحياناً كثيرة.
وبما أن الشعر يخفف عنا بعض همومنا، فربما أوجد لنا هموماً جديدة في عالم الفكر، وقد يعتبر هذا من غريب المفارقات، ولكن متى كان الانسان خالياً من الهموم؟ فهو لا يكاد يودع هموما حتى تستبد به هموم.
|