لا يمكن للقارئ أن يدرك أهمية علم التخدير إلا إذا تخيل بأنه بصدد اجراء عملية جراحية وهو متيقظ وبكامل وعيه وأحاسيسه.. فالتخدير هو احدى نعم الخالق سبحانه وتعالى على البشرية فهو مصدر تخفيف الآلام وبدونه لم يكن للجراحة بكل أنواعها أي فرصة للتقدم وبالتالي كانت الانسانية ستحرم من الفرص الحقيقية للعلاج.
بدأ علم التخدير خطواته الأولى في منتصف القرن التاسع عشر من اكتشاف الايثر ولكن قبل التاريخ كانت العمليات الجراحية تجرى بعد أن يأخذ المريض جرعات من عصير الافيون والكحول هبوط في التنفس ومن ثم وفاته - وفي معظم هذه الأحوال فإن ألم الجراحة لم يكن محتملا وحيث كانت الجراحة تجري بالاستعانة بفريق من المساعدين الاشداء الذين يوثقون المريض بعد أن يضعوا في فمه قطعة من الخشب أو الملابس حتى لا يصرخ، وكانت هناك طريقة أخرى وهي أن يفقد المريض وعيه بعد ضربه ضربة مفاجئة مؤلمة على رأسه أو في أماكن حساسة أخرى في جسده أو مفاجئته بغتة بالصراخ المرتفع فتفقده المفاجأة وعليه يسحب إلى المنضدة ويتم اجراء البتر أو خلع الاسنان أوغيره من العمليات الجراحية وبسرعة قبل أن يفيق، وفي تلك الايام فإن العمليات الجراحية المختلفة مثل البتر واستخراج الحصوات والفتاق والمياه البيضاء كانت آلام المريض وصراخه، وكذا كمية النزيف التي كان التحكم فيها أصعب كثراً تدفع الجراح الى السباق مع الوقت لانهاء عمله الجراحي بأسرع ما يمكن مما يؤدي دائما الى أخطاء كثيرة ومضاعفات أكثر مما يجعل العمل الجراحي أبعد ما يكون عن الاتفاق وكان اكتشاف غاز النيتروز (الغاز المضحك) وكذا الكلورفورم هي بداية الاهتمام الجاد بأهمية استعمال الغازات وأدوية التخدير وفي العام 1846 ميلادية تم اكتشاف الايثر وكانت هذه هي بداية علم التخدير العام وكان استنشاق أبخرة الايثر تتم عن طريق جهاز صغير بدائي يمكن المريض استنشاق أبخرة الايثر مخلوطة مع هواء الغرفة وتم اخراج الهواء في اتجاه آخر من خلال صمام وكان الايثر هو بداية التطور حتى حصلنا الآن على مواد مخدرة غاية في التقدم وكذا كانت أجهزة التخدير البدائية تعرض المرضى لخطر كبير حيث ان الجرعات المعطاة غير دقيقة أما الآن فإن أجهزة التخدير المتطورة أصبحت ملك أيدينا نتعامل بها مع المرضى بكل ثقة وأمان.
وكان التطور الاساسي في علم التخدير في اكتشاف الأدوية المخدرة الحديثة التي تتميز بالفعالية الكبيرة مع أقل قدر ممكن من المضاعفات.
ومع بداية النصف الثاني من القرن الماضي (القرن العشرين) بدأ العديد من المراكز الطبية والجامعات في شتى أنحاء العالم بالاهتمام بتدريب أطباء في هذا المجال الحيوي مما ساعد على تطور علم التخدير وبروز كفاءات وخبرات متميزة بين أطباء هذا التخصص وبروز العديد من الدراسات الطبية المتخصصة والعديد من الاكتشافات المتعلقة بأن أجهزة التخدير وأجهزة مراقبة المريض التي تؤمن للمريض متابعة دقيقة لحظة بلحظة أثناء العمل الجراحي وبعده.
(*) استشاري التخدير بالمستشفى.
|