اطلعت على مقال الشيخ سلمان بن فهد العودة في العدد 11329 بتاريخ 9/8/1424هـ تحت عنوان «الحزن المقعد» وقد أطلت النظر فيما عرض فضيلته في قوله «إن امتداد الولاء بين المسلمين لمثل حدث المسجد الأقصى وفلسطين يؤكد ان أهل الاسلام فيهم خير كثير واستعداد للتحول الى الأخلاق والصياغة الاسلامية الشرعية». وأعقب على قول الشيخ حفظه الله بمداخلة وهي حول ما ينتظر أخواننا في فلسطين في ظل ما هم فيه من بلاء، فنحن نعلم بأن القضية المحورية للجهاد هي فلسطين باعتبار قدسية المكان وهويته الاسلامية وان من يدنسه هم اليهود المغضوب عليهم. ولما كانت هذه هي القضية الأم كان الجميع ينظر بعين الحسرة الى ما يصيب اخواننا الفلسطينيين مع كل توغل وحشي اسرائيلي، ونذهل لحجم الدمار الهائل في المسكن والمركب وننظر حيث يغتال الأطفال في ظلمة الليل وكيف تعصف اجسادهم مع الحديد والاسمنت وهم نيام.
فضيلة الشيخ كيف يكون الولاء مع هذه القضية الأم والمحور الفيصل في ظل هذه الصورة من الحسرة والألم؟ كيف تكون منا نحن يا من نعيش برغد وسلام وأمن واطمئنان من هدير الطائرات الحربية وفزع الهدم ورعب القصف والتقتيل اليس من خير الأمة ان يعكف العلماء على تقنين ايضاحي لماهية الولاء؟ وكيف يكون هذا الولاء الذي ان فرض تجاهلته الأمة وإن لم يذكر به ظن الكثير ان الولاء يجوز فيه الاختراع لأن مجاله واسع وخصب حتى وصل الاختراع الى ارتكاب أعمال تنافي الاسلام بأن يقتل المسلم أخاه المسلم ويظنون ان هذا سوف يفتح بابا الى الطريق نحو تحرير القدس من براثن اليهود الغاصبين، فيأخذ دم المسلم المحرم المعصوم بلا ذنب، أعني أنه بسبب فهم الولاء الخاطئ دفع من استهوته نفسه الى تعريض حياته وحياة اخوانه المسلمين للخطر.. فضيلة الشيخ إني أوقن أنني لست مختصا في علم حتى أبحر في حديث كهذا لكني على الأقل أحس بالحسرة والألم عندما أرى طفلة كالطفلة ايمان ذات الأربعة أشهر قد اخترق جسدها رصاصة احتلال أو الطفل الدرة الذي نقل مقتله حياً على الهواء للجميع. وعندما أطل برأسي على ميزان القوى العالمي أجد اليهود يلفون حزاماً على خصر أمريكا يضيقون عليها الأنفاس وأرى أن العرب قد اختلط حابلهم بنابلهم في تعقيد العلاقات الدولية بين أقطاب العالم الجديد لاعتبارات شرعية وسياسية دولية وللأولوية مصالح نفعية واعتبارات كما زاد على ذلك الوهن النفسي.
بيت القصيد يا فضيلة الشيخ ان الولاء للحدث لا يستقر ميزانه بالشعارات ولا بعمل المنظمات والجمعيات وأخال الفطن الورع يوقن ان غير الاسلام دينا ومنهجا لن يجدي نفعا حتى ولو تعددت الطرائق أو الأحبوكات السياسية، لأنها على الأرجح تأتي من منظمات دولية لن ترى في نزيف الجرح الفلسطيني محطة يندب التسريع بالوصول اليها وكف مسيلها ولو غرز الكثير من الطعنات في الجرح بدعوى علاجها. إن الوهن الذي يعيشه المسلمون في عقولهم أشربهم كأساً تلو الكأس من التخاذل وانتظار النصر من السماء وهم يلتون في جحيم العصيان والضلال، ويوم أن قبلوا واستكانوا للنظرية التي تقول بسيطرة اليهود على العالم وعجز المليار مسلم من عمل شيء للقدس ولبقية أجندة القضايا العالقة وكيف سيقبل منهم والمعاصي والضلالات تطوق رقابهم والوهم بفوقية اليهود يدوس على عتبات أفكارهم مع كل اطلالة كل خبر بهدم ومقتل وفتك واغتيال. قد لا تكون الأزمة في وجود الولاء من عدمه ولكنها أزمة حقيقية في تبديل طرائق التعامل مع كل حدث بماهيته وتجذره في الحالة الواقعة حتى يهيأ المسلمون للعمل بدافع الولاء بشكل أكثر وعياً ودراية وعرفاً بتفصيلات الشريعة والوقائع. فليس في فواصل النواح والعويل من الاعلام العربي والاسلامي ما سيعيد القدس على أي حال ولا القضايا الأخرى. السؤال المطروح بعنف هل العالم الحر المزعوم المدفوع بالرأسمالية كان أكثر ولاء لنظرياته بتطبيقاتها المرجفة بشكل جعل الغير لا يجد مجالا لتطبيق ولائه لقضاياه المصيرية على الأقل، أو ان المسلمين لم يكونوا بمستوى الولاء لأبسط مفرداته التطبيقية اليومية مما جره معهم الى تراكمات تبعية غاية في التعقيد، الأمر الذي أوجد معه الفرصة لوجود فراغ أسرع الغير لملئه بتحويلات مرهقة، بداعي التحضر والتمدن وتعقيد العلاقات الدولية. لماذا لا ينظر المسلمون الى واقعهم قبل أن يشنوا الحرب على واقع غيرهم؟ فالولاء بتطبيقاته السياسية الشرعية الصحيحة لا يبرر غيابه وجود الغرب أو دولة كاسرائيل. إن الفهم الخاطئ للولاء لقضايا الأمة سرع بعمليات تسجيل الفوترة على حساب الدين الاسلامي وأهله.
إننا عندما نقتل أنفسنا بأنفسنا في بلاد المسلمين ونقول بأن الدنيا انتهت وأننا عشنا أكثر مما يجب وعجزنا عن استعادة حقوقنا المشروعة، فإن هذا من حميم الوهن، كما أننا بهذا نؤكد تفوق الأعداء علينا فبعد ان حرمنا أنفسنا من تطبيق الاسلام الصحيح الذي كان الولاء لقضايانا أساسه على المستوى الخارجي حرمنا الغير منه فوهنا وظلوا هم في سباتهم.
محمد بن سعود الزويد - الرياض
|