Thursday 16th october,2003 11340العدد الخميس 20 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المسافة ضاقت بين جنون البقر وجنون البشر!! المسافة ضاقت بين جنون البقر وجنون البشر!!

حاولت الكاتبة لبنى الطحلاوي ان تلامس ملامح الوجع في عالم مشبع بالصخب.. تحت سقف فضائي يكاد يلوي الأعناق.. ويملأ الآفاق.. آه منك أيها الزمن.. المسكون بالفتن.. رقصت ريشة الأحلام.. وتدفّقت أنهار الأفلام.. عجبي من كل قناة فضائية.. تفتح أبوابها الغزلية.. وتقيم أعراسها الغنائية.. قنوات «خجولة» تذرف برامج الإثارة ودوائر الإغراء عبر هطول صاخب مصحوب بعزف منفرد على وتر الجنس.. تتقاطر الجموع الى رحاب استراحتهم «المصونة» وتبدأ مراسم السهرة البريئة ويتواصل مسلسل التحرّي والتنقيب عن موادّهم المترعة «بالحشمة».
يمضي الليل سريعاً يستحث الخطا وهؤلاء يسافرون بين قنوات الفضاء الرحب عبر نزوح مرّ مجرد من الحياء تتقاذفهم مناظر الإغراء وتسحرهم لوحات الغرام.. تسلب عقولهم مواقف الهوى وتخدّر مشاعرهم حوارات الهيام.. وها هو الإحساس يغفو وأنّى له ان يستيقظ وللفيديو كليب حضور مدهش طاغ.
ولم يزل هؤلاء تبهرهم الأعين النجل ويهزّهم المحيّا المثقل بالمكياج وأناقة تصحبها لباقة لدى مذيعة بديعة.. وان انس فلا أنسى الخدّ الأسيل.. يتجلى في قصة حبّ نبيل.. في زمن: الحبّ يصنع المعجزات»! آه منك أيها الزمن حينما تحرك دموعنا الخرساء وتثير أحاسيسنا البلهاء آه منك أيها الزمن حينما تمنحنا فناً مسقياً بالذبول.. ليطغى على الصعود نزول.. وتظل القنوات الفضائية تعبئ اذهان القوم بثقافة المسخ وتشنف مسامعهم بكل أغنية معلبة تنكأ في نفوسنا حكاية الفنّ المبجل الذي ترك ذويه في دائرة لهاث فضائي وركض فني ربما عالج هموم الأمة وضمد جراحاتها الدامية..
اجل لم تكن السماء صحواً ولم تكن الشمس صافية.. ولا درجات الحرارة معتدلة.. بل كان جو الحياء بارداً ومعبأ بالصقيع والفضاء ظل ملبداً بسحب الهوى.. ليقضي القوم ساعات مثخنة بالإهدار.. ولم يكن الهدف سماع نشرات الأخبار..
كانت هناك قصص وحكايا.. ومناظر تتهشم منها المرايا.. آه لم يعد للبوح بقايا.. مضت أعينهم تلاحق فراشات السينما.. تتابع ساحرات الرقص.. تتوتّر مع مسابقات ملكات الجمال وربّما أقاموا المقارنات وأثاروا الحوارات وكأن المسافة قد ضاقت بين جنون البقر وجنون البشر! آه من زمنٍ ضاعت الموازين واهتزّت القيم.. وبنى الليل من ظلمائه القمم.. واستبدّ بالمروءات الألم.
بأي لغة أصوغ مشاعر الوجع.. وبأي حروف أكتب ملامح الجموح.. وفي يدي بضع أوراق.. حبلى بالاحتراق.. وهل ثمة جدوي من ان تقرأ هاتيك المواقف الفضائية المحفوفة بالارتعاش.. في عصر باتت دموع الرجال فيه رخيصة يذرفونها في مسلسل حب فريد.. رفقاً بنا يا هؤلاء.. يا عشاق قنوات الفضاء لا تنيخوا مطاياكم في ديارها.. فبرامجها تغتال كل قصيدة عربية أبيّة.. لو عاد جميل لن ينظر الى بثينة.. وهي تركض في شاشة فضية.. ولن يحمل اليها قصائده الغزليّة.. وقيس لن يفتش عن لبنى في القبيلة الفضائية.. وزرياب سيمزّق أوتاره الشجية.. وهو يرى الفيضانات الغنائية.. عذراً.. شبابنا أما آن لكم ان تدركوا هذا الاستبداد الفضائي.. لتمارسوا دوركم في بناء حضارة وطننا الأبي؟ أما آن لكم ان تشمخوا بالقيم.. وتسعدوا بالمبادئ التي تتدفق من عقيدتكم الصافية؟ أما آن لكم ان تكونوا كحروف تمتزج بالنقط.. في قاموس العطاء..
اما لهذا الوقت الذي تبدّدونه تحت ظلال الفضائيات ثمن باهظ؟ وماذا استفدتم من هذا الغناء الفضائي الصارخ الذي يدمي القيم.. ويمسّ التقاليد ويهزأ بالمبادئ ويدعو الى التفلّت الاخلاقي والتحرر الاجتماعي..
عفواً فالوطن يريد شباباً جاداً وفاعلاً يستوعب رسالته الوطنية ويسلّم بواجباته الاجتماعية ويتمثل الأخلاق الإسلامية ليكون صورة مضيئة للجيل النافع الذي ينأى عن مواقع اللهو والعبث وينسحب من دوائر الفراغ.. والمرحلة الراهنة بكل أبعادها تتطلب هذا الفهم لبلورة مشروع انتمائنا الديني وتكريس الحسّ الوطني.
ومضيت.. أمنحكم شيئاً من تدفّق مشاعري.. أزفّ بقيّة من بوح محابري.. امتشق يراعاً مثقلاً بملامح الشجن.. من حكايات هذا الزمن...

محمد بن عبدالعزيز الموسى - بريدة

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved