أما فهو فمعلم المعلمين والمتعلمين وغير المتعلمين.. تخصصاته لا تعد ولا تحصى.. قاعاته أفسح من أن توصف.. وصفاته أكثر من أن تسرد أو ترصف.. لديه أوسع ذمة.. وبحوزته اقوى ذاكرة.. لا يكتب بل يُكتب.. سبورته صفراء لا بيضاء ولا سوداء.. انتقائية ترفض أن تخط عليها أيادي المنهزمين غير أنها تستسلم لما تمليه عليها شخبطات يراعات المنتصرين.
* إنه المعلم الذي لا يأبه بعلمه متعلم.. ولا يعتبر بتعليمه قوي أو ضعيف.. أو ظالم أو متظلم.. الدراسات دروسه.. حيث هو المعلم الوحيد الذي يقتل تلاميذه بمجرد أن يتخرجوا من جامعات أزمات أزمنته وكليات اوجاع أمكنته.. إنه الأفصح.. بياناً والأشد امتحاناً.. في آن يكتب ويمحو العرائض وفي آن يجمع ويفرق النقائض.. ويكره ويحب التناقض.. حاد المهارة.. غامض العبارة.. مفعم بالحياة.. مخضب بالموت..
* مستقبله ماضيه.. وغده قاضيه.. استدلالا بكل مضامين رسوب المضامين في قول أحد خريجيه:
سائل العلياء عنا والزمانا
هل خفرنا ذمة مذ عرفانا؟!
|
* آراؤه سديدة ورؤاه أحر من أن تكون باردة أو بليدة.. مناهجه الدراسية وحيدة.. وطرائق تدريسه عديدة.. لا يقر له قرار.. حيث يسقي تلاميذه الحلو بكف وبأخرى يجرعهم المرار.. فتراه تارة يحذرهم الوهم وتارة في كياناتهم يبث الامل الواهم.. فلا غرو أن يجأر أحد خريجيه القدامى بشكواه من أن:
العمر للسبعين يلهث راكضاً
والروح ثابتة على العشرين
|
** إنه الحُكْم والحكَم.. ولذا لا يُؤمن له جانب.. ف« من سَرَّه زمن ساءته أزمان».. بل هو معلم بمزاج حاد منقلب:
فيوم علينا ويوم لنا
ويوم نُساء ويوم نُسرّ
|
*، شديد.. عتيد.. مخاتل.. عنيد.. مستقيم.. ملتوٍ.. مليء بالانحناءات والتعرجات.. أعمى بلحاظ أحد من البصر.. قصير كاللحظات.. قوي الملاحظة.. وليد اللحظات.. طويل كالآماد.. ومع ذلك يُقصِّره العتاب بين الأحباب ف:
الدهر أقصرُ مدةً
من أن يُقَصِّر بالعتاب
|
** إنه معلم يهابه الكل ويعيبه الجميع.. متهم دوماً رغم شهادة شاهد من أهلها له بالبراءة بالقول:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيبٌ سوانا
|
* إنه معلم.. الأزل مسقط رأسه.. والامد محط انظاره.. يسبب الأسي.. ويخلق الأسية.. يمنح العزاء ويسلب المواساة.. في تجاويفه اسباب السعادة.. وفي اعماقه مسببات التعاسة.. على كاهله تُرمى اخطاء الذات وتقذف تبعات الهوى.. وعلى جبينه تعلق مشاجب كوابيس النوم.. واحلام اليقظة.. وفشل المنى.. بل وموت المتمني..
* إنه المعلم الأكبر للأكبر والأصغر.. إنه «التاريخ!»..
|