Thursday 16th october,2003 11340العدد الخميس 20 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

السعودية وحقوق الإنسان السعودية وحقوق الإنسان
اختلافات مفاهيم ثقافية أم خلل في الأخبار؟
محمد بن ناصر الأسمري (*)

أسدت منظمة حقوق الإنسان خدمة للمملكة العربية السعودية في موالاة نشرها معلومات جيدة عن حقوق الإنسان، لكنها لم تكن لوجهي الحقيقة للمعلومة كما يقضي العدل في السياق للحرية في إنسيابية المعلومات والممارسة الديموقراطية ورقي التعامل والإخبار. ولا اعتقد أن أحداً في السعودية يدعي النقاء أو الملائكية والعصمة من الخطأ. وفي يقيني أن هنالك دون شك خللاً فكرياً ثقافياً أوجد الهوة لفهم النمط الثقافي للشعب والنظام السياسي السعودي. وهذا امر مألوف في تلاقح الثقافات التي يعبر عنها باللغة الإنجليزية « cros cultural communication». لكن غير المألوف أن يكون هذا سائدا في تقارير منظمة دولية قوامها العلمية والبحثية والمنهجية العلمية وحرية الفكر وإنسيابية نشر وبث المعلومات وديموقراطية الحوار، لا سيما أن المنظمة قد اختطت هدفا عالمي التوجه لخدمة الإنسان دون ما نظر لعرقية أو لون أو دين او وطن، كما تقول ادبيات نظامها وعملها.
فلقد نشرت المنظمة عن انتهاكات مزرية لحقوق الإنسان الفطرية في كثير من بلدان العالم: في إسرائيل وافريقيا وامريكا اللاتينية واوروبا الشرقية بل والولايات المتحدة الامريكية.
وواقع الامر يفرض العذر لما جاء في تقارير المنظمة عن البلدان الإسلامية، بسبب الجهل بالخلفية الثقافية للمسلمين ومدى ارتباطها بالمعتقد الديني الذي لا يعلو عليه أي شيء في سيادية المثل العليا للمجتع. لكن المسوغ للعذر لا يبيح التجاهل في نكران وجود أصحاب رأي من الثقافة الإسلامية من الباحثين والدارسين لكي يكون لهم تواجد في المنظمة والمشاركة في إيضاح البعد الثقافي، وبالتالي الارتقاء بالتقرير في شأن ما يصدر من معالجات وطروحات ومطالبات في منع العنف والتطرف وانتهاك حرية الفرد وقمع تطلعاته للحرية والعدالة والديموقراطية الشرعية/ الدستورية. اما استمرار الوضع على أحادية الرأي والطرح والفكر والمعالجة فلن يعود بعائد مفرح على الهدف النبيل الذي ترعاه المنظمة - حماية حقوق الإنسان - من الظلم والقهر الذي يمارسه الطغاة من بني الإنسان. بسبب المقاومة من الثقافة المعنية بالخطاب التي لا يوجد لها مشاركة او رأي في جمع واسترجاع ومعالجة المعلومات التي تبث من المنظمة عير وسائل الاتصال. وهنا على سبيل المثال بعض العناصر الثقافية في الثقافة الإسلامية التي تختلف عنها في الثقافات الأخرى:
* القرآن الكريم هو المرجعية الدستورية لإصدار الأحكام في المجتمعات الإسلامية مهما تنوعت الأنظمة الدستورية ديموقراطية او دكتاتورية عسكرية ام مدنية والأحوال الشخصية ربما هي المثال الأيسر للطرح كدلالة.
* شرب الخمر امر محرم في الثقافة الإسلامية. ولذا فإن الحكم مستمد من المرجعية الدستورية التي سبق الإشارة إليها وهو حد شرعي لا يملك القضاء تجاهله وهو الجلد والتقدير متروك للقاضي تحسبا واحتياطا أن يكون قد صاحب السكر ارتكب جنحة أو جريمة، وبطبيعة الحال فلا شك أن عدم وجود تقنين للحد التعزيري هنا خلل نقر به في ثقافتنا. والثقافة غير الإسلامية لا ترى في شرب الخمر أي بأس رغم انها تقاضي من يرتكب مخالفة مرورية وهو ثمل، ولا تسمح ببيع المسكرات لمن دون 18 عاما.
وهنا فعندما يجلد شارب للخمر في السعودية قبلة كل المسلمين في العالم فهذا في نظر الثقافة السائدة في لغة منظمة حقوق الإنسان انتهاك لحقوق الإنسان بينما لو لم يقم الحد من السلطة الدستورية لثار الناس/ المجتمع ضد السلطة وفقدت شرعية قبولها.
* الطلاق في الثقافة الإسلامة يقع في الأصل مهما تباينت من كاثولوكية ام بروتوستانتية وللمرأة في شريعة الإسلام الحق أن تشترط العصمة بيدها ولها أن تطلب خلع الزوج على عوض. ولا مشاحة في الإعتراف ببعض النكوص في مارسة التطبيق السلوكي ولكن ليس الخطأ في التشريع.
* فض البكارة للزوجة في الثقافة الإسلامية شيء جالب للفرح والسعادة للأنثى أكثر من الرجل ودليل على العفة، بينما هذا في ثقافات اخرى جريمة اغتصاب يعاقب عليها القانون. وتستطيع المرأة في غير الثقافة الإسلامية مقاضاة زوجها إذا عاشرها وهي غير راغبة. ولا تجرؤ امرأة مسلمة أن تشكو زوجها في مثل هذا الحال - لا خوفا - ولكن قناعة بالثقافة السائدة. وإذا تزوجت امرأة غير مسلمة من رجل مسلم ودعاها إلى ممارسة العلاقة الزوجية وتمنعت فالصراع الثقافي سوف ينتقل الى غرفة النوم وكل يريد ممارسة ثقافته مع انه في وضعية كهذه تذوب الفوارق وتلتحم الأعراق في عمل رياضي ممتع ربما ينتهي بالإنجاب!!
* كما أنه ليس من حق المرأة في الثقافة الإسلامية أن تتمنع عن المارسة الجنسية حتى بأداء الصلاة والصوم فحق الزوج هنا مقدم على العبادة التي هي في الثقافة الإسلامية غاية الحياة.
* العلاقة قبل الزواج وخارج الزواج بين الذكر والأنثى محرمة بنص المرجعية الدستورية - القرآن - بينما هي جائزة في الثقافات الاخرى. لذا فإن إقامة الحد بجريمة الزنا يعتبر لدى منظمة حقوق الإنسان كثقافة غير إسلامية تعديا على حقوق الإنسان!!.. بينما هو في نظر الإسلام - الثقافة - امر واجب لحماية حقوق الإنسان أن لم تطبقه السلطة ثار عليها المجتمع لانها لا تطبق الامر الشرعي التعبدي لله. ومن الذي يحكم في عقوبة الزنا دون اربعة من شهود يشهدون بالله رؤية دخول العضو الذكري في العضو المؤنث!! كما يدخل المرود في المكحلة؟؟
* ثقافة منظمة حقوق الإنسان تمنع زواج المرأة دون سن الثامنة عشرة، ولكنها تبيح لها ممارسة الجنس دون زواج - اي الزنا - وهنا فإن ميزان المنطق والعدل منتفيان، وهنا فرق بين النكاح والسفاح!
* التعامل بالفائدة في نظر الشريعة الإسلامية جريمة عصيان لله بمخالفتها لأمر الله بحل البيع وحرمة الربا، وفيها ظلم للمجتمع ومجال لفتح استعباد الأغنياء للفقراء بل المحتاجين بفعل تراكم الفوائد وهدر القيمة الإنتاجية. وهذا غير السائد في الثقافة غير الإسلامية من بدائل بالمرابحة وبيع الأجل. فإذا حكم القاضي المسلم بوضع الربا كلية عن المدين ودفع رأس المال او اساس القرض فهو يطبق تشريعا من الله و لا يملك أحد حتى الحاكم الذي له حق المصادقة على الأحكام الشرعية بالنفاذ او الوقف أن يمنع الحكم.
* وكما اورد الدكتور عبدالسلام المسدي في كتابه «العولمة والعولمة المضادة «1999» امثلة الغيرة واختلاف الثقافات في قبولها في السياق السيميائي والمعرفي. فهي لدى الثقافة الغربية تخلف ورجعية وهنا الاقتباس « افرأيت صورة تجلو حق الاختلاف الثقافي كما تجلوه هذه المسألة: فالغيران في نظر الثقافة الغربية رجل متخلف حضاريا وقد لا يتردد في اعتباره متخلفا ذهنيا، وفي ذاكرة العرب - تليدها وحاضرها - إذا لم يكن الرجل مغيارا ولم تكن المرأة غيرى عد ذلك من المخازي والقبائح. والغربي الذي يعتبر لين النفس على الاهل طراوة حضارية فيناشي اذا غازل المغازلون زوجته ويستاء ان لم يدعها داع وسيم الى حلبة الرقص في المحافل الاجتماعية الراقية هو في نظر العربي ذي الحمية الفوارة ديوث، وكل بني جنسه دياييث او قناذع».
بالطبع فان الاختلاف والتنوع في انماط السلوكيات والخلق والمفاهيم الثقافية حق مشاع لكل البشر، طالما كان حق الاختلاف واحترام الآخرين علامة في النسق الثقافي.
وحقوق الإنسان في الثقافة الإسلامية مجملة في خمس ضرورات: الدين، النفس، العرض، العقل والمال. وهي أمور منظمة ربما أن العالم مازال قد اخذ وطور عنها هرم نظرية الاحتياجات التي تبحث عن الأشباع.
ونأتي إلى ما نشرته «امنستي» عن حقوق الإنسان في السعودية فهو في مجمله معلومات ليس فيها جديد ولا مفيد علي ضوء ما سبق إيضاحه من التباين الثقافي بين الثقافة الإسلامية وثقافة منظمة حقوق الإنسان هذا بالنسبة للمراقب المحايد اما بالنسبة للمجتمع السعودي فأغلب ما نشر عن حالات فردية عن سجن افراد من السعوديين كان لهم مفاهيم وتوجهات خاصة في ممارسة النصح والامر بالمعروف فهؤلاء قد اطلق سراحهم بعد انتهاء مدة العقوبة التي قررها قضاة او نزع بها السلطان ممارسة لواجبه في منع التعدي على المجتمع الجمعي من اي سبيل لفرض فكر احادي الطرح والتوجه ومنع ما قد يصاحبه من تطرف ارهابي ضد المجتمع والوطن انسانا وارضا. وقد استقبل وزير الداخلية السعودي هؤلاء المواطنين وتبادل معهم المناصحة.
واعتقد أن تقصير السعودية في الإعلان عن انطلاق اولئك النفر إلى الحرية لا يبيح للمنظمة الاستمرار في المطالبة بشيء ليس له على ارض الواقع وجود فهذا من موجبات فقد المصداقية في التقرير والمعلومات والثقة بالمنظمة.
اما بقية ما استمر في الحديث «التقارير عن تجاوزات فردية كالاعتداء الجنسي على عاملة منزلية من الفليبين او اندونيسيا او غيرها ففي ظني ان هذا مسبة وانتقاص لفحولة السعوديين إذا لم تكن إلا حالات فردية تبعا لوجود أكثر من مليون عاملة منزلية وممرضة. بل لعل هذا يظهر مقدار العفة والالتزام بأول واهم الضرورات الخمس «الدين» واعتقد اننا في السعودية لو طالبنا بالعدالة في تقرير الحالات الفردية في النشر عن حالات القتل التي تمارس ضد السعوديين والسعوديات بل والاغتصاب من قبل العاملات والعمال غير السعوديين سوف نكون فطريين وسذج في تعميم سلوكيات فردية على مجتمع العمالة الأجنبية التي تعادل ثلث السكان!! واعتقد أن منطق الحرية والعدل والديموقراطية يدعو منظمة العفو الدولية وحقوق الإنسان أن تنشر عن الظلم الواقع على السعوديين من بعض من هذه العمالة التي جاءت من اجل العمل والارتزاق وتحولت إلى ممارسة انواع من الغش والقتل، وذلك من خلال زراعة وري الخضروات بمياه الصرف الصحي واستخدام اللحوم الفاسدة في المطاعم وتزوير تاريخ الصلاحية للأطعمة والمشروبات وبيع قطع الغيار على انها جديدة وغيرها من الممارسة القاتلة والمخالفة لكل مبدأ من مبادى حقوق الإنسان في اي ثقافة او ملة او دين!!
اما عقوبة القتل التي ترى ثقافة المنظمة انها جريمة عالية النسبة في السعودية فهذا منطق غير سوي ولا ديموقراطي. فقتل القاتل عمدا من مقومات عدالة الدستور المرجعي - القرآن - ليس لأن القتل انفى للقتل ولكن لان في القصاص حياة في منع التعدي على النفس وقطع لعادة الثأر القبلي حين يقتل اي شخص بريء في مقابل المقتول. واحكام الإعدام التي تتم في السعودية تعلن في وسائل الإعلام موضحة اسباب الجريمة ومكانها واسم القاتل والمقتول ومكان تنفيذ الحكم الشرعي والطريقة التي تم بها الإعدام الذي يتم في الساحات المحيطة بالمساجد. ولا تصدر الاحكام بالقتل من قبل قاض واحد ولابد من مصادقة مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة على الاحكام ولا ينفذ الحكم الا باعتماد من ولي الامر وهو في الشريعة الإسلامية الحاكم ومن يتابع الصيغة التي ترد في بيانات وزارة الداخلية في نشرات الاخبار يجد ان الملك يوافق على إنفاذ ما تقرر شرعا. وهنا فإعدام القاتل العامد مطلب شرعي تعبدي في الثقافة الإسلامية. وقد تكون السعودية هي البلد الوحيد في العالم التي تذيع وتعلن عن الإعدام بعكس ما يتم حتى في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية من إعدامات يومية في السجون بالغاز والكرسي الكهربائي والحقن بالسم او الخنق او الصعق.
ويبدو ان الخلل ثنائي التبادل بين الحكومة السعودية والمنظمة في عدم وصول المعلومات هذه الى مراكز ولجان البحث لدى المنظمات الدولية. وأنا كمواطن سعودي اوجه العتب واللوم لحكومة بلادي على هذا التقصير لان التقرير السنوي لوزارة الداخلية يحوي بالتفاصيل انواع وعدد الجرائم وتصنيفاتها ونسبتها موزعة على مناطق المملكة من شرب الخمر الى القتل إلى معاكسة النساء واللواط ومحاولة الانتحار وغيرها. ولكن آمل من منظمة العفو الدولية فيما لو وصل إليها التقرير السنوي ان يكون لديها من دارسي الثقافة الإسلامية من لديه المقدرة الفكرية على فرز ما قرر من الجرائم في تقرير الداخلية السعودية ما له علاقة بالجرائم التي تقع في موسم الحج والعمرة التي يكون النصيب الأكبر منها من بعض الحجاج الذين يأتون على كل ضامر من كل فج عميق ليذكروا الله على ما هداهم وليشهدوا منافع لهم.
ولعل النقطة الاخيرة في تقرير المنظمة ما جاء عن تجاوزات المطوعين الذين يهجمون بالرشاشات على الأجانب! فلعلي لا أجد مشاحة في القول إن هذا كذب فلا يحتاج الأمر إلى رشاشات لان العمل الرسمي لهيئة الامر بالمعروف ليس من مهامه ولا متطلباته وجود اي نوع من السلاح حتى العصي التي كان يحملها كبار السن السابقون لم يعد لها وجود. ولو عدنا لمفهوم الثقافة الإسلامية لوجدنا ان مداهمة اوكار صناعة الخمر وملاحقة المتعاطين هو مكافحة الجريمة. اما أن هنالك تجاوزات من بعض المتطوعين للعمل مع العاملين الرسميين في جهاز الحسبة فلا إنكار لهذا بل لا إنكار لتجاوزات من الرسميين نابعة من الحماس في الاندفاع للدفاع عما يرى انه عمل منكر. وهذه التجاوزات يحتكم فيها إلى القضاء، ولا يقرها الشرع ولا المجتمع ولا السلطة. ولعل السبب في هذا عائد في بعض اوجه الى نمطية التعليم الديني المنفصل عن التعليم العام وقلة التدريب على التعامل وأساليب التواصل والاتصال ومنهجية بث وإيصال المعلومات ووسائل الإقناع وإدارة الصراع والتباين الثقافي. وهذا شيء طبعي في المجتمعات التقليدية المحافظة.
التجاوزات من الموظفين الحكوميين واستغلال النفوذ والسلطة ليس قصرا على السعودية وحدها. ولا على منظمة حقوق الإنسان بل هي شاملة لكل مناشط عقوق الإنسان. وهذا رأي للحوار من اجل جلاء الصورة للثقافة الإسلامية التي هي ملك لامة الإسلام والسعودية هي القبلة والاستقبال ولسنا مجتمعا ملائكيا ولا خالين من اخطاء ولا مظالم والا لما وجد لدينا محاكم وشرطة وقضاة. لكن زوال الخطيئة بالتوبة. والله يحب التوابين والعافين عن الناس. وانا اعلن العفو عن منظمة العفو إذا بحثت عن معلومات تضيفها إلى تقاريرها لتظهر حقيقة وجهي الخبر/ المعلومة. لتكون لها مصداقية وموثوقية. ولعلي اختم بما قال به مفكرنا الدكتور عبدالسلام المسدي في كتابه سالف الذكر:« كلها اذن خانات ضمن منظومة الثقافة في كل خصوصياتها، وكلها تنادي بالحاح أن ليس لاحد أن يسقط قيمه على الآخرين اسقاطا مطلقا، والميثاق الذي يمليه حوار الثقافات يقول: عليك أن تقتصد في ارسال الاحكام على غيرك حتى يقتصد الآخرون في ارسال الاحكام عليك لان نسبية الثقافات تستوجب كذلك نسبية الأحكام على أساس نسبية القيم والمرجعيات.

(*) كاتب وباحث سعودي

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved