Thursday 16th october,2003 11340العدد الخميس 20 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

النقد الصحفي بين الموضوعية والذاتية.! النقد الصحفي بين الموضوعية والذاتية.!
حمد بن عبدالله القاضي

* * «النقد الصحفي» - لا جرَم - هو روح الصحافة وعمادها، والقارئ الذي يصاب بالتخمة والألم بعد سماع أخبار السياسة ومآسي الحروب على هذه البسيطة في الليل يريد عندما يطالع الصحيفة صباح الغد أن يقرأ فيها ما يتناول هموم حياته وشؤون معيشته.!
لكن السؤال: أي نقد هو المطلوب؟
أجزم أن كل منصف سوق يقول: «النقد الموضوعي» الذي يبحث عن الحقيقة، ويسهم في البناء، وينأى عن الهدم.
وأتوقف - في هذه المقالة - عند مسألة بدأت تظهر في كتابات بعض الكتّاب في الآونة الأخيرة في بعض صحفنا، وبخاصة الأقلام التي دخلت ميدان الكتابة خلال السنوات القريبة، ألا وهي اتسام بعض كتاباتها النقدية بثلاثة أمور، أولها: «روح السخرية» التي تصل إلى درجة الهزء بالمسؤول. وثانيها: «تناول الشخص» والتركيز عليه بأكثر من التركيز على نقد الموضوع، وثالثها: تجاهل أية إيجابية أو إنجاز للجهة المنقودة، وكأنها لم تفعل خيراً قط، مع أن الإنصاف يقتضي الموازنة بذكر الحسنات والسيئات والإيجابيات والسلبيات من منطلق أن نقول للمحسن: أحسنت وللمسيء أسأت، فضلاً عن أن العدل يقتضي الإشارة إلى الحسنات والإشادة بها من منطلق: الأدب القرآني {وّلا تّبًخّسٍوا النّاسّ أّشًيّاءّهٍمً}.
* * *
إن الإنسان لا يرتاب لحظة في إخلاص هذه الأقلام، وحسها الوطني، وحرصها أن تكون مؤسسات وطنها على أفضل مستوى، إلا أن «الحماس» - ولا أقول «الحرص» على الشهرة والبحث عن «الوصف بالجرأة» - يجعل هذه الأقلام تشتط - أحياناً - وتبتعد عن مقاربة الموضوعية، وتجنح بطيور حروفها نحو فضاءات «ذات المسؤول» بأسلوب استهزائي لا يجمل أن يصدر منهم.
وكم أتطلع أن يربأ زملاؤنا هؤلاء عن مثل هذا الأسلوب، فهو لا يليق بأقلام تقرأ في ثوابت نصوصها: {لا يّسًخّرً قّوًمِ مٌَن قّوًمُ}، ولا يحسن أن يصدر من «مصلحين» لطالما تردد على مسامعهم في أدبيات تراثهم وأخلاقهم قول حكيمهم أبي تمام:-
«من لي بإنسان إذا أغضبته
وجهلت كان الحلم رَدَّ جوابه»
* * *
* * مسألة أخرى لها علاقة بهذا الشأن ألا وهي: إن علينا - بوصفنا كتّاباً ومنظِّرين - أن نضع أنفسنا في مواقع هؤلاء المسؤولين عندما نرى تقصيراً أو قصوراً في الأجهزة التي هم مسؤولون عنها، إذ قد تكون هناك عقبات كثيرة مثل عدم توافر الإمكانيات المادية التي تحول دون تحقيق ما نطالب به، أو معالجة القصور الذي نريد الحديث عنه، وهذا لا يعني ألا ننقد ولا نكتب عَمَّا نراه من قصور، لكن لو تصورنا مثل هذه العقبات لحفزنا ذلك على تخفيف حدة نقدنا وقسوته، ولطرحنا ما نريد بأسلوب موضوعي «فمن يأكل الضرب ليس كمن يعدُّه»، وقديماً قال الشاعر الحكيم:-
«لا تعذل المشتاق في أشواقه
حتى يكون حشاك في أحشائه»
والمسؤول مواطن يتطلع إلى ما نتطلع إليه كُتّاباً ومواطنين، ولكن - أحياناً - يصح منهم العزم لكن الدهر يأبى، والإمكانيات لا تواتي.!
* * *
وبعد
إنني أجزم أن للكلمة «الهادئة» أثراً لدى المسؤول أكبر بكثير من الكلمة «القاسية» أو «الجارحة».. بل إن «الأسلوب الموضوعي الهادئ» يجعل المسؤول أقرب إلى التجاوب بدلاً من الغضب الذي قد ينتج عنه عدم الاكتراث بما كتب، ولا ننسى أنه بشر له عواطفه وردود فعله، ونحن - الكتّاب - لسنا أفضل من موسى وهارون اللذين أمرهما الله أن يذهبا إلى فرعون مستخدمين أجمل وأرق أسلوب مع ذلك الذي قال أنا ربكم الأعلى، ولكن الله أمرهما بمخاطبته - بأرق أسلوب - {فّقٍولا لّهٍ قّوًلاْ لَّيٌَنْا لَّعّلَّهٍ يّتّذّكَّرٍ أّوً يّخًشّى"}.
* * *
نحن في هذه المرحلة - على وجه الخصوص - بحاجة إلى خطاب نقدي صحفي هادئ في ظل «حوار وطني» يوحد القلوب، وينير الدرب، وينشر خطاب المحبة.
إن الكلمة البانية هي التي تكون قناة رفق ومحبة، والله - سبحانه - يعطي على «الرفق» ما لا يعطي على «العنف» - كما جاء في الحديث، وهي تكون كذلك عندما تعتمر الموضوعية، وتنأى عن «التجريح والسخرية» فالكلمة الطيبة «نهر إصلاح» وكلما كانت أهدأ كانت أقرب الطرق إلى الإسهام في بناء هذا الوطن الذي يوحد بين أبنائه هدف نبيل وغال ألا وهو أن يكون «الوطن الأجمل» دائماً بإنسانه ومكتسباته ومؤسساته الحكومية والحضرية.!
* * *
أصدق القول
* * {(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران:159)

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved