منذ البداية كتب الموت على كل مخلوق في هذه الحياة الفانية يودع اللاحق فيها السابق، وفي خطى هذه الحياة تبقى آثار وبصمات لا تكاد تُنسى، يتناقلها
الأبناء والأصدقاء والأحفاد عن الآباء فتظل معاصرة مضيئة في الذاكرة من أهمها الأعمال الخيرية الرائدة، والمبادرات المؤثرة في حياة الناس ووجدانهم، .
وقد فقدنا في شهر رجب الماضي عالما فاضلا كانت له جهوده الخيرية الرائدة في استمرار مسيرة جمعية تحفيظ القرآن الكريم حوالي أربعين سنة، كما فقدنا بعده في مطلع شهر شعبان لهذا العام 1424هـ مؤسس مدرسة تحفيظ القرآن بالرياض الشيخ العالم الفاضل محمد بن سنان الذي عاش عمره المديد في خدمة كتاب الله، وكان بيته في دخنة ثم في الديرة ثم الشفا داراً للعلم وتحفيظ القرآن.
وقد كان يعلم القرآن قبل أكثر من خمسة وأربعين عاما بنفسه وكان يهتم بمساعدة الطلبة الفقراء الذين يدرسون عنده ويعطف عليهم مما يزيد ترغيبهم في الدراسة،.
وكنت واحداً من الطلاب الذين تلقوا دراسة وحفظ كتاب الله على يديه رغم كبر سني بالنسبة لزملائي آنذاك، وكان من زملائي سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز عبدالله آل الشيخ - بارك الله في عمره - في ذلك الوقت كانت توجد مدرسة الشيخ محمد السناري - رحمه الله - بالمربع التي تعلم فيها كثير من الأمراء وغيرهم وكان من معلمي القرآن الكريم أيضا الشيخ صالح المصبيح - رحمه الله - إلا ان مدرسة فضيلة الشيخ محمد بن سنان تطورت وأصبحت فيما بعد جمعية خيرية ودعمت من الدولة وأهل الخير حتى انتشرت مدارسها في عدد من أحياء مدينة الرياض برئاسة فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن فريان ومتابعته الى ان توفي في شهر رجب الماضي - رحمه الله - .
وفقد هذين الشيخين الفاضلين خسارة كبيرة يشعر بمعاناتها أكثر طلاب العلم الشرعي ومن تلقوا تعليمهم في مدارس تحفيظ القرآن، وجميع أهلهم وذويهم وعارفي فضل العلماء ودورهم في الحياة، وقد بذل فضيلة شيخنا محمد بن سنان جهوداً متواصلة في خدمة كتاب الله، وكان طوال عمره متواضعا لا يحب البروز الاعلامي ولا يعشق الأضواء ولا يحب اللقاءات والإطراء، كان يعمل في سبل الخير بصمت.
وهكذا أسس مدرسته وأسرته وربّى أولاده تربية علمية دينية صالحة والحمد لله فصار قدوة لهم ونموذجاً يحبه كل تلاميذه وعارفيه، وعاش حياته في الظل، وخاصة في السنوات العشرين الأخيرة بعد أن أقعده العجز والمرض في بيته وقد أمد الله في عمره الى أن بلغ قرابة مائة عام الى أن توفي غرة شهر شعبان، وودعه أبناؤه ومحبوه وتلاميذه مبتهلين لله له بالمغفرة والعفو والرضوان، جزاه الله خير الجزاء تجاه ما قدمه من خدمات جليلة لكتاب الله وللمجتمع والأمة، ولا ننسى أن نذكر بالخير الشيخ محمد بن صالح بن سلطان الذي توفي في شهر رجب الماضي - رحمه الله - فقد أسس جمعية لتحفيظ القرآن الكريم في بلده محافظة «حريملاء» وقدم دعماً سخياً لمدرسة تحفيظ القرآن بمسجد ابن عشيوان بحي العريجاء بالرياض ودعم عدداً من الجمعيات الخيرية بالرياض وفي غيرها جزاه الله خير الجزاء، وأجزل المثوبة لفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن فريان وكل العلماء المخلصين الذين عملوا وتابعوا هذه المهنة الشريفة الخيرية الخالدة المضيئة في الحياة.
وصدق نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم القائل «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
* المستشار بهيئة التمييز بالرياض - سابقاً
|