اليوم هو التاسع عشر من شعبان أي بعد أحد عشر يوماً تقريباً سنكون في شهر رمضان المبارك. وهناك بلايين سوف تصرف حتى نهاية الشهر، بين جوائز وأكل ومتع وصدقات وغيرها. كل سيصرف حسب نيته. لم يحدث أبداً أن قام أحد بدراسة للأموال التي تصرف في رمضان، وفندها وفقاً لمجال صرفها. كم صرف على الأكل؟ كم صرف على المتع؟ كم صرف على الإعلانات؟ كم صرف على الصدقات؟ أتوقع أن الصدقات هي أقل شيء. قارن بنفسك كم صرفت العام الماضي على المتع المختلفة وعلى الأكل وعلى الصدقات. يمكن مددت ريالاً أو ريالين لشحاذ لا يستحق وفي نهاية الشهر قمت بإخراج الفطرة. طبعاً الناس ليسوا سواء ولكن أتكلم على العموم.
الشيء الغريب ان الحملات الإعلانية تأخرت قليلاً هذه السنة، لا تشاهد في الجرائد أو في الشوارع أي إعلانات تخص رمضان. هناك إعلانان فقط لمشروبات والباقي إعلانات لسيارات أو مساهمات أراض وغيرها. هل يبيت لنا الاخوة التجار هجوماً مباغتاً لا نلتقط فيه الأنفاس إلا وقد ذهبت كل أموالنا أدراج الرياح؟ العام الماضي حسبما أتذكر بدأت الإعلانات مبكراً وبدأت محلات بيع الأرزاق وغيرها تتكيف مبكراً مع هوس الناس للمقاضي الرمضانية.
كم مرة تمنيت أنني وكيل بيع شراب التوت. فهذا يظل نائماً طوال العام. ولا يستيقظ إلا على مدفع رمضان. أظن انه يحقق دخلاً من بيع التوت في الشهر الفضيل أكثر مما تحققه شركة نوكيا من بيع الجوالات طوال العام. ربما تلاحظون انه لا يحاول ان يدخل البيوت في الاشهر الأخرى. من الواضح انه لا يريد ان يفك الارتباط بين التوت وبين الشهر الفضيل. وبالفعل صارت الأجيال تنمو مع هذا الارتباط رغم اني ألاحظ ان التوت لم يعد أساسياً على المائدة. فالوفرة في المشروبات أضعفت مركزه التاريخي، فهناك عصيرات وهناك ألبان بل هناك مشروبات غازية. ولكن حضور التوت يمثل رمزاً عند الشراء أي عندما تذهب لشراء مقاضي رمضان وتشاهد قوارير التوت مرصوصة أمامك لا يمكن أن تتردد. سوف تلتقط كم حبة وتضعها في عربتك، وهي مثل التربية. فالتوت لم يعد يصلح للكبار وإنما هو خاص بالصغار بل هو في الواقع لا يهم الصغار كثيراً ولكنه جزء من التواصل الرمضاني. كقولنا «عاداتنا وتقاليدنا» فشراء التوت وتذويقه الصغار هو جزء من عاداتنا وتقاليدنا. طبعاً نسميه توت وهو ليس بتوت، والله أعلم ما هو!
لم يعد رمضان فرصة لبائعي الأرزاق ولكنه فرصة لكل من لديه بضاعة يريد تسويقها، فإذا كسدت بضاعتك فما عليك سوى أن تنتظر رمضان وتشن حملة إعلانية مركزة. ولا يتوقف الأمر عند الأطعمة الكاسدة بل كل ما يمكن بيعه، معدات قطع غيار.
يقول لي بعض «الثقات!» إن بائعي نغمات الجوال يحضرون لنا نغمات رمضانية أي نغمات خاصة بالشهر. وهي في الواقع بقايا النغمات التي لم تلق رواجاً في الأشهر الأخرى فالناس كرام في الشهر الفضيل وعلى استعداد لأن يمدوا يد العون لأي تاجر لم يستطع ان يصرف بضاعته.
يبدو ان مفهوم المساعدة الذي هو من خصائص الشهر الفضيل انتقل من مساعدة الفقراء والمحتاجين إلى مساعدة التجار وفك اختناقاتهم.
فاكس: 4702164
|