منذ أن حل الإنسان ضيفاً على هذا الكوكب الأزرق (كما يصفه الذين أتيحت لهم الفرصة لرؤية الأرض من الفضاء)، والعالم يستقبل كل يوم مواكب متعاقبة من البشر تأتي تباعاً إلى الدنيا لتحل محل مواكب أخرى كانت قد سبقتها على نفس الدرب ولكنها أنهت مهمتها وأكملت مشوارها واستنفدت كامل المدة المقررة لها على الأرض.
وفيما بين القدوم والرحيل، يعيش الإنسان تجربته المثيرة التي اسمها الحياة، حيث يمر بها البعض مر الكرام، ذلك لأن الغالبية العظمى من أولئك الذين يردون مورد الحياة يخفقون عادة (مثل ما عبر عنه الشاعر المهجري إيليا أبو ماضي) في معرفة «كيف ومن أين أتوا إلى هذه الدنيا، بل ولا حتى إلى أين ينتهي بهم المصير».
غير أن هناك قلة من الناس في أنفسهم القدرة على فهم واستيعاب حكمة الحياة أو على الأقل يدركون استحالة أن يكون الغرض من وجودهم هو نفس الغرض من وجود الحيوان والطير والنبات والحشرات والهوام وبقية الكائنات، بدليل أن الله سبحانه وتعالى ميز الإنسان وحده عليها جميعاً فمنحه العقل وجعله في الأرض وكلفه دون سائر المخلوقات.
ومن الحقائق الهامة التي علمتنا إياها تجربة الحياة، أن التاريخ لايعبأ بأولئك الذين يعيشون التجربة على هامشه أو خارج نطاقه فيسقطهم تماماً من حسابه لأنهم لم يفطنوا إلى الهدف الحقيقي من وجودهم ولم يفهموا الحكمة من تميزهم على الكائنات الأخرى التي تعج بها الحياة، بالعقل والتكليف، كما لم يدركوا ماهية العلاقة بين الحياة والتاريخ.
لذلك نجد أن ذاكرة التاريخ لا تتسع لغير أولئك الذين تركوا بصماتهم فوق صفحاته وخلفوا وراءهم إنجازات تؤثر في حياة المجتمع البشري على أي نحو وبأي مستوى، أو تشكل تحولاً مهماً في مسيرته. وليس من شك في أن التاريخ ليس غبياً ولا ساذجاً وإنما يفرّق بين الخبيث والطيب من الأعمال، فلا يسوى مثلاً بين من يبني ومن يهدم. أو بين من جمع ومن فرّق، أو بين من صان الأمانة ومن بدّدها، لأنه كان ظلوماً جهولاً.
وإذا كان التقدير الحقيقي لقيمة الإنسان ومكانته في موازين التاريخ يقوم على أساس ما قد يكون قدمه أثناء حياته من عمل صالح أو إنجاز بأن ينتفع به، فإن هذا المعيار يكون أكثرر صدقاً وأشد انطباقاً على الزعماء والحكام وكل من هيأت لهم الظروف أن يتبوأوا مراكز السلطة وقيادة الجماعات.
ذلك لأن الإنجاز في حالة الإنسان العادي يعتبر أمراً إختيارياً طوعياً، أما في حالة الزعيم أو القائد والمسؤول، فإنه يصبح أمراً وجوبياً إلزامياً. بمعنى أن الحاكم قد يثاب على مثل هذا العمل إذا فعله وقد لا يثاب، ولكنه يحاسب بالتأكيد إذا لم يفعل وذلك باعتبار ان الإنجاز، إلى جانب إقامة العدل وتوفير الأمن.. من أوجب واجبات الزعيم ومبررات ولايته على الناس.
وهنا أكون قد كشفت عن ملامح موضوع حديثي اليوم الذي يتلخص في محاولة تلمس صفات الزعامة في مكونات الشخصية القيادية لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وذلك بمناسبة ذكرى مرور (22 عاماً) على توليه مسؤوليات الحكم في المملكة العربية السعودية، وسوف أقتصر على تناول الموضوع من أربع زوايا هي بالاختصار والتحديد: الشخصية والوطنية والعربية والدولية. وذلك على النحو التالي:
أولاً: الزاوية الشخصية:
فلقد عرف الملك فهد بأنه زعيم قوي الشخصية واضح الرؤية مستقيم الفكر والمنطق كما اشتهر طوال حياته ومن خلال العديد من مواقع المسؤولية التي اضطلع بها، بالحكمة وبعد النظر والتعقل والرؤية.
وعلى الرغم من تمتعه بخبرة واسعة وعميقة اكتسبها من خلال تمرسه العملي الطويل بأساليب الإدارة وأصول الحكم، وعلى الرغم من قدرته الفائقة على تكوين رؤيته الواضحة وتحديد موقفه بشكل حاسم وسريع تجاه أي أمر يعرض له، بما في ذلك اكثرها صعوبة وتعقيداً، إلا أنه يؤثر التأني وترك الفرصة كاملة لمساعديه لتكوين مرئياته وتشكيل قناعاتهم بالصورة التي يطمئنون إلى سلامتها قبل اتخاذ القرارات المصيرية ذات التأثير البعيد المدى على مصالح الوطن والمواطنين. وذلك لكي لا تحتاج مثل هذه القرارات بعد صدورها إلى قرارات لاحقة لتنظمها أو تصححها.. ومن هنا اكتسبت سياسات المملكة في العالم الخارجي صفتين مميزتين هما «النفس الطويل» و«الثبات» أي الثبات القائم على سلامة المواقف المبدئية وليس على العناد والمكابرة.
كذلك عرف الملك فهد بأنه رجل سلام ومحبه، ينشد الاستقرار أينما وجده ويشجعه ويعمل على تكريسه، ليس في وطنه فقط بل وأيضا في كل أنحاء العالم.
وكم مرة رأيناه يلمس أوتار القلوب أثناء أحاديثه المتكررة إلى مواطنيه وزواره موضحاً لهم في صدق ومودة محبيه كل ما استشكل عليهم فهمه من الأحداث الداخلية منها والخارجية على حد سواء.
بل وكم رأيناه يتلمس الفرص (من تلقاء نفسه ودون أية مطالبة أو إلحاح من الشعب) لإصدار القرارات باعفاء المواطنين مما يثقل عليهم لكي يخفف عنهم أعباء الحياة. وذلك على الرغم مما هو معروف للجميع من أن حكومة المملكة تقدم للمواطن السعودي من الخدمات وتتخذ من الاجراءات ما يحفظ له مستوى معيشياً مرتفعاً قد تحمده عليه شعوب الكثير من الدول المتقدمة نفسها فضلا عن دول العالم الثالث.
ثانياً: الزاوية الوطنية:
كما سبق وأن ذكرت من قبل فقد اضطلع الملك فهد خلال حياته العملية التي بدأت في وقت مبكر من عمره المديد بحول الله، بالعديد من مواقع المسؤولية وكان له في كل منها إنجازات باهرة. ولكن لأن المكان هنا لا يتسع لتتبع كل تلك المواقع والانجازات، فسوف أختار منها (على سبيل المثال لا الحصر) ثلاثة مواقع هي وزارة المعارف الذي أمضى في العمل كأول وزير لها نحو 5 سنوات بدءاً من العام 1952، ثم وزارة الداخلية حيث أمضى في العمل كوزير لها نحو 12 عاماً بدءاً من العام 1962 وأخيراً الاشراف على وضع وتنفيذ خطط التنمية الخمسية بدءا من الخطة الثانية في عام 1975 من خلال ولايته للعهد.
ولو كان الأمر يقتصر على المواطن السعودي وحده فقد لا أجد نفسي بحاجة إلى تقديم إيضاح لمنجزات الملك فهد في المجالات الثلاثة سالفة الذكر، لا تفصيلاً ولا إيجازاً.
وذلك لأن المواطن السعودي بالذات على اطلاع وإحاطة بكل ما يقوم على هذه الأرض الطيبة من المنجزات الخيرة كما أنه أكثر تفاعلاً معها وتأثراً بها. ولكن لأن الأمر قد يتعلق ايضا ببعض القراء من غير مواطني المملكة، فسوف أعرض هنا خلاصة لهذه المنجزات مقترنة بإيضاح أثرها في المجتمع السعودي وموضعها فيما يمكن أن نطلق عليه «إستراتيجية الفكر القيادي للملك فهد بن عبدالعزيز».
ففي مجال التعليم على سبيل المثال، سوف أعرض مقارنة عددية لنموذجين اثنين من نماذج متعددة تبرز حجم وطبيعة الإنجاز. فلقد تسلم الملك فهد مسؤوليات أول وزير للمعارف في المملكة العربية السعودية في عام 1373ه 1953 ولم يكن مجموع عدد المدارس الثانوية في كل أنحاء المملكة يتجاوز وقتها عشر مدارس تضم عددا يزيد قليلاً عن 1300 طالب، في حين بلغ عدد المدارس (في العام الدراسي حتى رجب 1424ه، أيلول سبتمبر 2003م، (400 ،28) مدرسة تضم أكثر من أربعة ملايين وستمائة وتسعين ألف طالب وطالبة.. أما في مجال التعليم الجامعي فبديهي أنه لم يكن هناك تعليم لهذه المرحلة في المملكة على الإطلاق، بينما يبلغ عدد الجامعات السعودية في الوقت الحاضر ثماني جامعات حكومية تضم (191) ألف طالب وطالبة.
كذلك فقد اضطلع الملك فهد بمسؤوليات وزارة الداخلية لمدة ثلاثة عشر عاماً متصلة عمل خلالها على رفع مستوى الاداء للجهاز الأمني السعودي عن طريق تطويره وتحديثه وأخذه بالأساليبب العلمية والوسائل التقنية بصورة جعلته من أكثر الأجهزة المماثلة كفاءة، ليس على المستوى الاقليمي فقط، بل وأيضا على المستوى العالمي، ولقد كان المردود الطبيعي لذلك هو استتباب الأمن في البلاد وانخفاض معدلات الجريمة المعروفة في كل أنحاء العالم، بل واختفاء بعض أشكالها تماماً. خاصة وأن الجهاز الأمني السعودي ينفرد بميزة لاتشاركه أياها الأجهزة الأخرى وهي تطبيق حدود الشريعة الإسلامية.
أما في مجال الإشراف على تنفيذ خطط التنمية، فقد اضطلع الملك فهد بهذه المهمة اعتباراً من 1975م، وهو التاريخ الذي يمثل البدايات الأولى لانطلاقة خطط التنمية السعودية التي مازالت مستمرة حتى الآن.. ان المقارنات والأرقام في هذا المجال ليست من الضخامة بحيث يتعذر استعراضها في هذا الحديث أو عشرات من أمثاله فقط، بل وأنها تعكس كماً من الانجازات التي أدهشت أكثر المخططين جرأة وطموحاً في العالم وشملت كل ما يمكن أن يخطر على البال من مجالات الخدمات والبنية الأساسية كالتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والنقل والمواصلات والطرق والجسور والإسكان والاتصالات اللاسلكية والصناعة والكهرباء وتحلية المياه وتطوير المدن، وخاصة الأماكن المقدسة وعمارة وتوسعة الحرمين الشريفين.. الخ، الخ.
غير أن ما يهمني أن الفت إليه الانتباه هنا هو العلاقة بين مواقع العمل الثلاثة التي اتخذتها مثالاً وبين متطلبات الإنجاز في الفكر الإستراتيجي للملك فهد، وهذه العلاقة تنطلق من قناعته المبدئية بأن لا تقدم بغير تنمية، ولا تنمية بدون توافر العناصر الأساسية التالية: التعليم، والأمن والبنية الأساسية.
لذلك ولأن هذه المجالات الثلاثة بالذات كانت مناط اختصاص ومسؤولية الملك فهد على النحو السابق إيضاحه، فقد أمكن الجمع من خلال قيادته الشخصية لها بين النظرية والتطبيق وتحقيق النتائج المتوخاة بصورة يندر تكرارها، وبشكل باهر كان من أهم أسباب نجاح خطط التنمية السعودية وما حققته من إنجازات مثيرة إن لم يكن أهمها على الإطلاق.
ومع أنني غير معني في حديثي هذا بمعالجة الأرقام أو التعرض للتفاصيل، لأنني كما سبق أن ذكرت، لو فتحت هذا الباب فلن تكفيني مجلدات بكاملها، إلا أنني أردت أن أضرب هنا مثالاً يعطي القارئ (غير السعودي) فكرة تقريبية مبسطة عن نوع وحجم وأهمية ما أشرت إليه تكرارا بكلمة (الإنجازات). ففي مجال الزراعة، على سبيل المثال، فإن من المعروف أن المملكة العربية السعودية بلد صحراوي جاف شديد الحرارة خلال صيفه الطويل ولا تتخلل أراضيه الشاسعة اية أنهار، ومن ثم فمن البدهي أن تكون مشكلة الحياة الأولى في مثل هذا البلد هي ندرة مياه الشرب وما يترتب على ذلك من نقص شديد، أو حتى انعدام للإنتاج الزراعي الذي يستعاض عنه بالكامل بالاستيراد من الخارج.
ولكي أكون منصفاً ودقيقاً، فقد كانت هناك زراعة بشكل ما في المملكة قبل بدء تنفيذ خطط التنمية في عام 1970 تقوم على مياه الأمطار أو على الآبار.
وكانت الحصيلة السنوية لهذه الزراعة من القمح الذي يعتبر العمود الفقري للأمن الغذائي لا تتجاوز الثلاثة آلاف من الأطنان.. فإذا أضفنا اليوم إلى هذه المعلومة معلومة أخرى وهي أن حصيلة إنتاج المملكة السنوي من القمح أصبح بعد عشرين سنة فقط من بدء تنفيذ خطط التنمية ما يزيد عن ثلاثة ملايين طن (أي تضاعف ألف مرة) فهل أكون قد أوضحت الصورة أو قربتها للأذهان عبر هذا المثال الواحد الذي يوجد من أشباهه العشرات، بل المئات؟.
ثالثاً: من الزاوية العربية:
لقد عرف العاهل السعودي بأنه رجل السلام والوئام وجمع الكلمة وتوحيد الصفوف، الحريص على تبني القضايا العربية والعمل على تقوية أواصر التضامن بينها، والوسيط الموضوعي المحايد المقبول من جميع الأطراف، والصديق الذي يؤمن جانبه ولا يخشى غدره، والأخ الكريم الذي يمد يد العون بسخاء ويترفع عن الصغائر ويعلو فوق الأحقاد ولا يبيت للانتقام).
ففي مجال القضية الفلسطينية على سبيل المثال أسمح لنفسي بالقطع أن أحدا في هذا العالم، يمكن أن يكون قد قدم للقضية الفلسطينية ما قدمه الملك فهد، ولن أحاول هنا التعرض لتفاصيل هذا الدعم حتى لا يقال انه (من) لأن المؤمن لا يرجو الجزاء إلا من عند الله سبحانه وتعالى غير أنني سأكتفي بالقول إن الملك فهد كان ولا يزال صاحب المشروع العربي المقبول عربياً ودولياً لحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وسلمياً والمعروف بمشروع فاس 1981م.
أما في المجالات العربية الأخرى فقد لا أكون بحاجة إلى التحدث عن الدعم الاخوي الكريم الذي قدمه للاشقاء في جميع المجالات الذي يعتبره (واجباً) ولكنني سوف أقصر حديثي على مجرد الاشارة إلى أمثلة من مساعيه الحميدة وجهوده المخلصة لترجمة الأقوال إلى أفعال في مجال الدعوة إلى تحقيق التضامن العربي الحقيقي الذي يزيل الضغائن ويضع العالم العربي امام العالم على خارطة القوي التي يحسب لها ألف حساب.
ومن هذه المساعي على سبيل المثال وساطاته الموثرة والفعالة لتقريب وجهات النظرة بين سوريا والعراق وبين سوريا ومصر وبين سوريا والأردن وبين سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأيضا بين مصر وليبيا وبين تونس وليبيا وبين المغرب والجزائر وبين قطر والبحرين، بل وبين الفصائل المتنازعة في لبنان التي كانت تحركها آنذاك أيد خفية تعمل على إحباط كل جيد للمصالحة. ولكن المملكة بفضل الله ثم بفضل صبرها وتضحيات وإصرار الملك فهد شخصياً على إنجاح هذه الجهود، استطاعت أن تتوج مساعيها باتفاقية الطائف التي أنهت صراعاً شرساً دام أكثر من خمسة عشر عاماً ووضعت حداً لهذا النزيف الدامي من جسد الأمة العربية.
رابعا: وأخيراً نأتي إلى الناحية الدولية:
والواقع ان الإنجاز على هذا الجانب لا يقل حجماً أو أهمية عن بقية الجوانب الأخرى التي سبقت الاشارة اليها. ومن ثم فلن أستطيع التوسع هنا أيضا لتعقب التفصيلات، وإنما اكتفي بذكر مثالين محددين لمجرد تأكيد وزن الحضور الدولي السعودي بقيادة وتوجيه خادم الحرمين الشريفين وتأثير هذا الحضور في السياسة الدولية بصفة عامة والعربية بصفة خاصة.
فانسجاماً مع طبيعته الخيرة وفكره المتميز في العمل على إقرار الأمن والسلام الدولي، استطاعت الدبلوماسية السعودية الفعالة إحراز نتائج طيبة على صعيد القضية الافغانية ولقد تمثل ذلك في جمع طرفي النزاع في هذه القضية لمفاوضات سلام مباشرة على أرض المملكة في عام 1988م، على الرغم من أن المملكة آنذاك لم تكن لها علاقات دبلوماسية مع الطرف الآخر في الاتحاد السوفيتي سابقاً.
أما المثال الثاني فيتعلق بواقعة تحرير الكويت وإنقاذ منطقة الخليج العربي بكاملها من مصير مؤلم لا يعلمه إلا الله مدى حجم الخراب الذي كان يمكن ان يحل بها وذلك من خلال موقفه الحازم وقراره التاريخي برفض الظلم وشجب العدوان والاصرار على مقاومة الاغتصاب وإعادة الشرعية لأصحابها وترك الشعوب تقرر مصائرها بأنفسها.
وإذا كان هناك من يتصور أن المملكة دفعت ثمناً باهظاً لموقفها هذا فإن ما لم ينتبه إليه وما لم يتطرق إلى ذهنه، أن هذه التضحيات العادية لم تكن غائبة عن الملك فهد حال اتخاذ موقفه وقراره الذي سوف يذكره التاريخ بكل إكبار وإجلال، ولكنه وجد أن مال الدنيا كلها لا يساوي شيئاً في سبيل حقن دماء مواطن واحد من مواطني المملكة وصون كرامتهم وأعراضهم وعدم تعريضهم (ولو كمجرد احتمال) لما تعرض له أبناء الكويت.
وبعد، فقد كانت هذه عجالة اجتهدت في أن أقترب خلالها من ملامح الفكر الإستراتيجي للملك فهد بن عبدالعزيز ومدى ارتباط المبادئ والقناعات التي يقوم عليها هذا الفكر بالقدرة على الانجاز الفعلي في شخصية هذا القائد الفذ، وذلك بمناسبة مرور اثنين عشرين عاماً على تسلمه مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية (21/8/1402ه 21/8/1424ه) وكذلك مدى تمتعه بمميزات الزعامة التاريخية.
ولقد تبين أن ما حققه الملك فهد، على الصعيد الوطني بصفة خاصة وعلى الصعيد العربي والإسلامي والدولي بصفة عامة، يعتبر إنجازاً غير مسبوق في هذا العصر، لا من حيث الحجم ولا من حيث القيمة والمردود ولا من حيث فترة التنفيذ.
إن المملكة العربية السعودية كانت وما تزال عامل استقرار لا في المنطقة فحسب بل على إمتداد العالم أجمع وبخاصة بالنسبة لدورها البناء في تحقيق التوازن الاقتصادي بين العرض والطلب لتوفير الطاقة التي هي عصب الحياة لمصلحة البائع والمستهلك على حد سواء بحيث يحصل المستهلك على هذه المادة الحيوية بدون انقطاع وبأسعار معقولة وبما يمكن المصدر من أن يغطي احتياجاته لتطوير إمكاناته للارتقاء بمستوى الأداء وللحاق بركب الدول المتقدمة.
وإذا كان الدور الأساسي المفترض لوسائل الإعلام هو نقل المعلومة إلى متلقيها بأمانة وسرعة ومصداقية، فإن ما يحث فعلاً على أرض الواقع بالنسبة للساحة الإعلامية الدولية يخالف ذلك إلى حد كبير ولعل أبرز مؤشر على ذلك المؤامرة التي استولت بواسطتها الصهيونية العالمية على أرض فلسطين بالتواطؤ والغدر والقهر وقوة السلاح ومع ذلك رغم فداحة المصاب يلحظ أن معظم أبواق الدعاية والإعلام الغربية بنوع خاص مصابة بنوع من العمى والصمم يفقدها القدرة على رؤية هذا الحدث الجلل الذي ما يزال ينتقل من سيئ إلى أسوء بما يفزع الانسانية ويهز ضمير التأريخ.
كما أن من المؤسف أنه بدلا من الرجوع لجادة الصواب نجد الإعلام نفسه يطلق إشاعاته المغرضة باتجاه العالمين العربي والإسلامي وهذه البلاد بشكل خاص في محاولة يائسة لطمس الحقائق ولحمل الآخرين للتسليم بما يخططون له من اغتصاب للمزيد من الأرض العربية.
ولكن من الثابت أنه لن يضيع حق وراءه مطالب كما أن القادة التاريخيين الذين تحكمهم ثوابت إيمانية لا تقبل المساومة أو التخاذل سيواصلون مساعيهم الخيرة على درب الأمن والاستقرار والسلام لمصلحة الانسانية جمعاء وهذا ما نذر نفسه من أجله ملك هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبدالعزيز - وفقه الله ونصره -.
|