إعداد : عبد الرحمن عبد الله اليابس
حينما تكون الكتابة عن منطقة مثل القويعية وأنت تحكمك مساحة محددة تصاب بحيرة لأن المنطقة لم تأخذ حقها في البحث ولم تنل نصيبها من دراسة مستفيضة واقعية لكن حينما تنتقل للمصادر وتتشعب في القراءة تجد مادة دسمة ومثرية تغري الباحث وتفتح شهيته خاصة حينما تكتب عنها وأنت أحد أبنائها لأن الكتابة حينها تحلو حينما تشطح لواقع كالخيال ولخيال كان واقعاً تستشفه حينما تبحر لتجد آثار حضارة تليدة ومعالم خالدة عمرها مئات السنين خلدتها كتب التاريخ والأدب والبلدان والسير وتجد دارات ورياضاً وسهولاً حينما تربع تكون مصدر إلهام ومثار قرائح لذا لا عجب إن حفل فطاحلة الشعر الجاهليين والإسلاميين بمعالم وأسماء هذه المنطقة وسأحاول بإطلالة عابرة على بعض الجوانب وسيجد قراء (الجزيرة) بإذن الله بحثاً متكاملاً ضمن نافذة (الجزيرة) على أرجاء الوطن بتفاصيل أكثر وأعم تعوض اختزال هذه الكتابة وتتناول الكثير عن هذه المحافظة وتاريخها.
- تقع المحافظة في وسط المملكة وعلى مسافة رأسية كبيرة على الطريق الرئيسي الذي يربط وسط المملكة بغربها وشرقها مما أكسبها أهمية جديدة علاوة على أنها ستكون إحدى محطات الطريق الحديدي المقترح وتشغل المحافظة مساحة تتجاوز (000.90)كم وحدودها من ناحية الغرب الطائف والخرمة وعفيف ومن الشرق المزاحمية وضرما والحريق والأفلاج وشمالاً محافظتا الدوادمي وشقراء وجنوباً وادي الدواسر والأفلاج وأطراف بيشة ورنية. ومن الناحية الجغرافية تتميز باحتوائها على كثير من أنواع التضاريس فعلاوة على الكثبان الرملية المتعددة ومواقع الأملاح والعروق والنتوءات فهنالك الكثير من السهول والهضاب والصحاري الربيعية الشاسعة علاوة على الجبال الكبيرة والمعروفة تأريخياً وسلاسل جبال متصلة أهمها سلسلة (جبال العرض) والتي اكتسبت المحافظة أحد أسمائها القديمة منها وهي ذات تكوين ناري وصخور بركانية ورسوبية ويتخللها عشرات الأودية الكبيرة أما المناخ فلا يختلف عن المناخ السائد في المنطقة الوسطى.
التسمية
كانت المحافظة قديماً تعرف باسم (السود) أو سواد باهلة إشارة إلى أنها كانت بلاد قبيلة باهلة، القبيلة العريقة، وقد أشار إليها الأصفهاني أكثر من مرة أنها (السواد سواد باهلة وهي جبال سود وإبنا شمام بالسواد يدفع عليها عرض السود) كما أشار الهمداني (إلى أن سواد باهلة وأوله الخاصرة وجنوباً إلى الينكير وقساس جبلان شهيران). وأشار إلى المنطقة بصفة عامة كثيراً جبالها وسهولها ومعادنها وآثارها ومياهها وبلدانها وقد وردت إشارات كثيرة في الشعر العربي القديم بهذه التسمية.
أحب ثنايا السود من أجل أنها
يكن لعمري من حميدة مربعة
وها هو أحد شعراء بني قشير:
إذا حلت منيعة بطن بول
وأهلك بالرعان من السواد
كما يطلق عليها (عرض شمام) نسبة إلى جبل شمام الذي له رأسان بارزان استمد منهما اسمه حيث أطلق عليهما إبني هذا الجبل وطغى ليعرف (بإبني شمام) وهذاالجبل يقع في شمال غرب مدينة القويعية قاعدة المحافظة ويحتضن منطقة تعدينية وأثرية قديمة وقد أشار ياقوت الحموي إلى أن اسم هذا الجبل مشتق من الشمم والعلو وجبل أشم طويل الرأس كما قال الهجري (إبنا شمام مشرفان على السواد) ومع هذا العلو والشموخ لا غرابة إذاً في كثرة ترددها على ألسنة الشعراء قال امرؤ القيس:
كأني إذا نزلت على المعلي
نزلت على البواذخ من شمام
والنابغة لقد أقريتهم خزيا مبيتا
مقيما ما أقام إبنا شمام
وجرير (عاينت مشعلة الرعال كأنها
طير تناول في شمام وكورا
والفرزدق (ثقلت علي عمايتان ولم أجد سبباً يحول لي جبال شمام
وليست هذه الشواهد مقصورة على الشعراء القدامى بل أصبح هذا الجبل مصدراً للتشوق للمنطقة ورمزاً لها ولتعود الصورة إلى الشعر العامي فذلكم الشاعر إبراهيم بن هويدي (وسم)
يومر على ذيك الجبال المشاريف
إذني شمام ورجمهن المنيفي
والهويشل سقوى إذا بانت لي شمالات
ولناصر البصري (يوم أنتبهت أبي منقض جعوده
إيلاي بالعارض وهو في شمالات
ومن شعراء هذا الجيل لعبد الرحمن اليابس:
ودي بشوفك يا الجبال اللحاليح
من عقب سوفة شوفتك يا شمالات
ولمحمد الجبرين (أنظر جبال العرض ما هي خفية
إبني شمام الشامخة في صعودها
ويطلق أيضاً عليها العرض والتسمية نسبة إلى سلسلة من الجبال واعتراضها من الشمال إلى الجنوب
لعرض من الأعراض تمسي حمامه
وتضحي على أفنانه الورق تهتف
وللشيخ عبدالله اليابس يناجي العرض من أرض الكنانة
ألا حبذا العرض سهلاً ووادي
وحبذا ثنايا جباله الأطواد
لقد نعمنا به زمناً سعيداً
بين أهل وجيرة أمجاد
ونعود للتسمية والتي أصبحت (محافظة القويعية) وقد اكتسبت هذا الاسم وبشكل رسمي وحسب الهيكل التنظيمي الإداري لمنطقة الرياض والتسمية وبشكل كبير تمثل واقع المحافظة فالقويعية البلدة تمثل القاعدة للمنطقة منذ القدم وهي المدينة الرئيسية فيها ومقر المحافظ والدوائر الرسمية الأساسية إضافة إلى أن التسميات الأخرى لا تشمل أجزاء كثيرة من المحافظة فعرض شمام مثلاً نسبة إلى الجبل الشهير تقتصر على مساحات محدودة والسواد عرض باهلة والذي يرمز إلى نزل هذه القبيلة أجزاء كثيرة منه تخرج من هذه التسمية مثل شرق القويعية ونواحي أخرى مع أنه يدخل ضمن تسمية العرض أماكن أخرى خارجة إدارياً خاصة من ناحية محافظة الدوادمي تدخل ضمن العرض موقعاً وتضاريس وامتداداً سكانياً قديماً لكنها إدارياً تخرج عن نطاقه إذاً التسمية الحالية علاوة على أنها أصبحت أمراً واقعاً فهي الأقرب للصحة منطقاً ومداليل.
إشارات عابرة: أمام محدودية المساحة المحددة إشارات عابرة حول المحافظة.
- القبائل العربية التي سكنت المنطقة قديماً قبيلة باهلة وبنو نمير وأفخاذ من قبيلة تميم وبنو قشير والحريش من قبيلة عامر بن صعصعة.
- بعد الفتوحات الإسلامية شاركت الكثير من تلك القبائل بها وأبلت بلاءً حسناً واستقرت كثير منهم في أفريقيا والشام والعراق وخراسان والأندلس وغيرها.
- إضافة إلى مئات المقاتلين منهم برز قياديون كثيرون تمتد جذورهم إلى هذه المنطقة ومن أبرزهم قتيبة بن مسلم وإخوته وعشرات غيرهم.
- هناك العشرات من الصحابة والتابعين ورواة الحديث.
تميزت المنطقة منذ القدم بخصبها وتقدمها بالزراعة والاستقرار وكمثال لذلك:
ألا يا بني عصم (جزالا) جنة
مراطيب تبغي كل عام لكم حربا
فلولي صواد من جزالا دلج
وهدل (الثريا) ما وجدنا لكم ذنبا
وجزالا والثريا من الأماكن المعروفة وقد أشار الأصفهاني والهمداني وغيرهما لبلدان العرب ووصفاها بأنها ذات صناعة وزراعة.
- كثرة المراعي وبالتالي تميز ماشية وجمال وخيل هذه المنطقة منذ القدم فالقصواء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطراف هذه البلاد والخيل الأصيلة كان يبحث عنها هنا.
- نبوغ الكثير في التأليف ومن أبرزهم مسلم القشيري والذي ينسب إليه صحيح مسلم.
- عصام المشهور والذي عناه القائل (نفس عصام سودت عصام) وله تعني المقولة كن عصامياً ولا تكن عظامياً. كما ينتسب إلى جذورها سحبان وائل الفصيح المعروف والأصمعي الراوية المشهور وغيره كثيرون.
- تشتمل المحافظة على أهم أماكن التعدين في الجزيرة وقد وردت أسماء عشرات الأماكن لكثير من الكتب وكأشهر منطقة تعدينية في الجزيرة العربية. وإليها تنسب السيوف القساسيةوكما قال أبو طالب بن عبدالمطلب (وأيد أثرت بالقساسية الشهب) وقد اكتشف حديثاً كثير منها وبدأ بها العمل بعد ثبوت جدواه الاقتصادية.
- هنالك الكثير من دارات العرب وأكثر من مائتي اسم من جبال وأودية وبلدان خلدها أكثر من أربعين شاعراً من المتقدمين ومن أمثلة ذلك الدخول وحومل وتوضح والمقراة ويذبل.
- من الذين خلدوا وتغنوا كثيراً بهذه المنطقة يزيد بن الطثرية صاحب القصيدة المعروفة ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد وغيرها الكثير ولكن الصمة بن عبدالله القشيري يظل شاعر المنطقة الأول خاصة أنه عاش بالقرب من مكان مدينة القويعية وخلد كثيراً من أسمائها (يوماً على تبراك..) (ويوماً بحصن الباهلي) وشعبعب.. وحائل..
وعلى هذا النهج كثيراً ولكن الظروف أجبرته على الابتعاد عن هذه المنطقة بل عن نجد كلها ليكتب أرق قصائد الشوق والغزل بالشعر العربي.
سقا الله نجداً من ربيع وصيف.....
ألم ترى أن الليل يقصر طوله
بنجد ويزداد النطاف به برداً
تمتع من شميم عرار نجد
فما بعد العشية من عرار
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها
عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معاً
|