في «القاموس»: «الوهم»: من خطرات القلب، والوهم: الغلط، والتوهم: يعني الظن.
فالوهم بمعناه الاجمالي تصور ما ليس له وجود، بمعنى أن يعيش الإنسان ويتعامل مع وضع يرى أنه قائم بصورة حقيقية، بينما ذلك غير موجود أصلاً، وإنما يخيل إليه!!!
ويأتي «الوهم» أو «التوهم» في الكثير من الأمور، فأحياناً يتخيل الإنسان أن هناك عدواً يترصد له فيجعله ذلك التوهم كثير الخوف والترقب والشك!! وأحياناً يتوهم أن فلاناً من الناس صديق مخلص له فيجعله هذا التوهم يفضي له بكل ما لديه، وأحياناً يتوهم أنه رجل شجاع فيدفعه هذا التوهم إلى التهور، أو أنه رجل جبان فيدفعه إلى ترك حقه وتضييعه! وقد يدفع إلى وضع النفس في غير موضعها مما يحملها العناء والتعب.
والوهم الوظيفي شائع في المجال العلمي، حيث يصاب بعض الموظفين بهذا المرض فيتصور أنه في وضع هذا المكان أو هذا المنصب من أجل تحقيق هدف معين، وهذا الهدف «ظني» أو «متوهم» لأن الهدف الحقيقي عادة يكون معلناً وواضحاً، أما «الظني» فإنه خفي، وهو بهذا التوهم يتصور انه من الأهمية بمكان مما يجعله يتعامل مع من حوله وكأنهم لا يفقهون شيئاً، وان الحقيقة يعرفها هو فقط، وكل ما عليهم ان يسعوا إلى طلب رضاه، وتحقيق رغباته، وإذا ما سيطر هذا «الوهم» عليه من كل جانب، أصبح هو الذي يرى، ويسمع، ويتكلم، ويعرف، ويقرر، ويتوقع حدوث الأشياء، ويعرف حلولها.
هذا المفهوم ربما يستمر مع البعض مدة طويلة، ويزداد رسوخه لديه مع الوقت، حتى يصل إلى مرحلة التعامل معه وكأنه أمر مسلَّم به، وان ذلك من الحقائق التي لا تقبل الجدل، والدليل على ذلك هذا السكوت من الجانب الآخر، فهو علامة الرضا، وان الوقت أصدر حكمه السليم على صدق هذا التصور.
مثل هؤلاء الموظفين يتعاش مع الوضع بأسلوب مقلوب، فتعمى بصيرته، ويظل يرتكب الخطأ تلو الخطأ دون أن يشعر به، متوهماً ان ذلك هو الصحيح، وأن ذلك هو المطلوب،
وقد يكون لتعامل المسؤول معه دور في ذلك عندما لا يمنعه من الاستمرار في هذا المنهج، اعتقاداً من هذا المسؤول ان ذلك التصرف إنما جاء بصورة لا إرادية، أو نتيجة اجتهاد خاطئ، وقد لا يدرك هذا المسؤول ان مثل هذه الأحكام وهذه التصورات إنما تمنح الطرف الآخر ثقة أكبر في التعامل مع «الوهم» بأسلوب سلبي يؤدي إلى ضعف الرقابة، وتدني مستودى الأداء، وبالتالي إلى عدم قدرة المسؤول على تحقيق الأهداف الحقيقية وقد يصل الأمر إلى ان يقوم مثل هذا الموظف بالتعامل مع المسؤول من خلال طرح أمور مقلوبة تماماً، وبالتالي يَضِلُّ ويُضِل.
الأصل ألا نفترض سوء النية.. أبداً! وإنما ننادي بالحد الأدنى من تحقيق المسؤولية، وهذا لا يتم إلا من خلال إحساس الجميع بأهمية العمل، ووضوح الأهداف، وتبادل المراكز الوظيفية، وعدم حكرها على أشخاص يسيرون بأهدافها باتجاه معاكس، نتيجة عدم حيائهم، أو قدرتهم على استغلال الأوقات المناسبة لاستمرار هذا الاحتكار.
يجب ان نعي الحقائق وندرك ان هناك موظفين مصابين بالوهم والغرور، يظنون ان الجهاز الذي يعملون فيه سيتوقف إذا توقفوا،
وقد يتباهون بذلك أمام زملائهم وأمام الناس مما يكون له الأثر الأكبر في إضعاف معنويات الآخرين، وعدم الاخلاص في العمل، وإيجاد جو من الاشاعات والارباك والحيرة،
وهذا ينعكس سلباً على أداء الجهاز، ومثل هؤلاء الموظفين يمكن اشعارهم بخطأ هذا الوهم.
(*) هيئة التحقيق والادعاء العام
|