ما السر وراء قدرة الإنسان الفائقة على حل مشكلات غيره وعجزه البائس عن حل مشكلاته الشخصية..؟!
حسنا يتوجب الإشارة استهلالا إلى أنه ليس بحوزتي لهذا السؤال اجابة علمية مؤكدة..، ومع ذلك أقول إنه لكي نفهم لماذا ينجح الإنسان في حل مشكلات غيره يجب أولا أن نعرف لماذا يفشل في حل مشكلاته الشخصية، فالعلم الحديث يؤكد حقيقة أنه لدى الإنسان ما يشبه الميل الغريزي بتوهم القدرة على فهم ما يقع أمام ناظريه وبالقرب منه ولهذا السبب فغالبا ما يغفل الإنسان ما يحدث في محيطه وما يقع (على نافوخه!) من مشكلات شخصية. فثقته المتوهمة بسيطرته على أوضاعه تدفع به الى التهاون بمشكلاته والعمل على تأجيل مواجهتها مما يمنحها كل فرص التراكم والتعقد الى درجة اغلاقها لكافة منافذ الحلول أمامه.
لذا فمن الممكن القول إن أحد أسباب (ابداع) الإنسان في حل مشكلات غيره ليس إلا لكون ذلك يمثل له منفذا للهرب من حقيقة عجزه عن حل مشكلاته الذاتية.. فاستغراقه في حل مشكلة صديقه يوفر له نوعا من العزل النفسي عن واقعه الحقيقي كما أن نجاحه في حل هذه المشكلة يمثل له من ناحية عزاء معنويا بأنه لا يزال قادرا على الصمود ويخفف من ناحية أخرى من كمية قلقه الناجم عن حقيقة فشله في مواجهة مشكلاته.
بالإضافة فالإنسان غالبا ما يبدع حين يرتقي أو يستقل عن ظروف واقعه وهذا هو ما يحدث حين لا تكون المشكلة مشكلته حيث يبدأ التعامل معها بموضوعية وينفصل عنها عاطفيا بمعنى أنه لم يعد ينظر اليها بكونها سلسلة متعاقبة من المشكلات المتوارثة بل على العكس من ذلك: حيث يرى مشكلة غيره وهي مستقلة بذاتها.. وقائمة لوحدها مما يمنحه كل الفرص لإعمال فكره في أمر حلول المشكلة المعنية ليتوصل الى حلولها الفاعلة الناجعة، فلا غرو في هذا المنحى أن يرى العلم أن أفضل وسيلة لأن يحل الفرد مشكلته الشخصية يتعين بالانفصال عنها عاطفيا وتخيلها مستقلة عنه.. بمعنى أن يتعامل معها وكأنها مشكلة غيره لا مشكلته هو.. ليحظى بالتالي بكل المقومات اللازمة التي يتطلبها النجاح في حل المشكلات كالواقعية والتجرد والموضوعية وعدم الوقوع في خنادق العوامل المكبلة للتفكير الموضوعي كالعاطفة واللوم والعتب والغضب والانتقام وخلافها..
في الختام تساؤل بالأحرى (بائس ويائس!):
هل تعتقد أن الإنسان سيصبح قادرا ذات يوم على أن يعادل الكفة بين القدرتين: أقصد بذلك قدرته على حل مشكلاته الشخصية كما هي قدرته على حل مشكلات غيره..؟
|