دماء تجري أنهاراً في فلسطين، من غزة إلى طولكرم إلى جنين، وأشلاء تتناثر فوق ثراك يا أرض العراق الشقيق، وطائرات نجمة داود تعبر كل الخطوط الحمراء لتضرب تخوم دمشق الفيحاء الواقعة تحت طائلة التهديد و«الحساب»، وشارون يعلن أن الجيران حتى المعاهدين منهم والأصدقاء ليسوا بمنأى عن يده التي تطول ولا تطال، والفيتو غدا طاقية الإخفاء لكل فعل لا يرعى ذمة ولا يرعوي عن هتك حرمة، وها هي الدولة العبرية تركب الموجة كشريك «فاعل» في حرب الإرهاب أينما كان، والإرهاب في منظور ذاك المغتصب هو مقاومة هؤلاء الذين يدفعهم اليأس والقهر إلى بذل النفس دفاعاً عن المقدسات وعن الأرض والعرض، فماذاً يا ترى أغرى بنا إلى هذا الحد؟!
في رأيي أن الغزو الثقافي الذي ظل يوجه إلى المنطقة العربية قد آتى أُكله كمدفعية ميدان مهدت للهجمة الشرسة التي تتعرض لها المنطقة الآن بهذه الضراوة بعد تفريغ الجيل من ثقافته الخاصة وإقناعه بالثقافة الواردة بديلا. والغريب ان نتطوع نحن بكلتا يدينا كي ننشر تلك الثقافة الواردة، وكنت قد كتبت قبل عامين تقريباً عن ظاهرة الفيديو كليب والتي حولت الأغاني إلى استعراضات راقصة دائماً لكاسيات عاريات، وقلت حينها إن ذلك ينافي أخلاقنا وأذواقنا فضلاً عن أنه يجافي قواعد الطرب والتطريب لهواة هذا الفن، ويصرف ذهن المشاهد إلى متابعة المشهد استغراقاً دون الاستماع إلى ما يقال، وبدلاً من أن تنحسر هذه الظاهرة الغريبة الدخيلة على مجتمعاتنا وجدنا أكثر من محطة عربية مع الأسف تشرع أبوابها متخصصة تماماً في أغاني الفيديو كليب دون سواها وعلى مدار الساعة وحسب الطلب. في هذه القنوات يتبارى المغنون والمغنيات مع الجوقة المصاحبة في الرقص والعري وإبداء المفاتن مرددين كلمات بلهاء جوفاء سوقية بإيقاع راقص ويصل الأمر حَدَّ المشاهد شبه الجنسية! ثم إن هذه القنوات تبث رسائل العشاق على الشريط المذيل للصورة وفيها من المضحكات المبكيات ما قد يعف اللسان عن ترديده! والغريب في الأمر أن هذه القنوات استحدثت عقب المعارك الدامية التي تشهدها الساحة العربية في أكثر من موقع، ولا ندري أهي احتفالات بالهوان العربي أم أنها الهجمة الثقافية تأتي بعد الهجمة العسكرية معلنة عن نفسها دون استحياء! وما يدفعني إلى إثارة الموضوع مجدداً ما يتناهى إلى سمعي وبصري من التعلق الشديد بهذه القنوات حتى من قبل أطفال صغار لا يكادون يجيدون نطق حروف الهجاء بعد، يتعشقونها إلى حد الشجار والخصام إذا ما حاول أحدهم تحويل التلفاز إلى محطة أخرى غير تلك المحطات!فيا كل أب.. ويا كل أم.. ويا كل عاقل.. احذروا الغزو الخطير الجديد واتقو الله في أولادكم بتحصينهم وتطعيمهم ضد هذه القنوات التي لا تزرع في الناشئة سوى الخنوع والخنا، ولا يخرج عنها إلا أجيال هشة لا تصلح بشيء إلا لما تربى عليه من هذه الثقافة الوبال.
إشراقة:
في سياق النهضة السعودية المعاصرة الشاملة، والتي تضرب بعصا التطوير كل مناحي الحياة ومناشطها على أساس حصين من الشرع الحنيف، يتابع العالم بانبهار شديد تقدمنا الهائل في مجال الطب والخدمات الصحية ولا سيما في جراحات القلب والعيون ثم في عمليات فصل التوائم السيامية والتي كان آخرها عملية أجريت بنجاح للتوأمتين المصريتين «تاليا وتالين».فتحية تقدير وإعزاز واعتزاز للدكتور عبدالله الربيعة والفريق الطبي المعاون.. لأولئك الذين يرفعون الرأس يوماً بعد الآخر ويؤكدون وجود بارقة الأمل في نهاية النفق العربي المظلم!
|