يكثرفي هذه الأيام الحديث عن الاصلاحات التي تقتضي المصلحة الوطنية اتخاذها لتمكين الوطن من مواكبة المستجدات العالمية وملاحقة آفاق التطور التقني والعلمي التي غيرت وجه العالم وألزمت العاجزين مقاعد التنمية المتأخرة، إلا أن مفهوم وإطار الاصلاح الذي نريد لم يتحدد بعد لاختلاف وجهات النظر التي تتناول محاور الاصلاح ولاختلاف الأهداف والدوافع التي تقف وراء هذه الآراء مما قاد البعض إلى التطرف في حديثه عن الاصلاح الوطني متناسياً الثوابت التي تعتبر مرتكزاً رئيساً للكينونة الوطنية فمن غير المعقول أن نتحدث عن الاصلاح الإداري والسياسي والمالي ونتناسى الاطار الشرعي الذي كرم الله هذه البلاد بحمل رايته ومسؤولية الدعوة إليه وفق المنهج الشرعي السليم، كما أنه من غير المعقول أن نتحدث عن الاصلاح السياسي ونتناسى الثابت الوطني الذي ينطلق من نظام الحكم في المملكة العربية السعودية الذي يقوم على أساس الحكم الملكي وعلى أساس الأسرة الحاكمة التي أصبحت بالنسبة للوطن والمواطنين رمزاً من رموز الوحدة الوطنية فإذا سلمنا بهذين المرتكزين، جاز لنا ولكل دعاة الاصلاح أن نتحاور وأن نجتهد في البحث عن السبيل الأمثل الذي يقود البلد إلى حالة أفضل ويحميه من مثالب التخلف التي عادة ما تنتشر في المجتمع الرافض لمناهج الاصلاح المختلفة.
ومن هذا المنطلق فإن الدعوة موجهة للجميع للعمل من أجل صياغة منهج اصلاحي وطني يأخذ في الاعتبار الثوابت الوطنية ويتجاوز حدود المصالح الشخصية إلى المصلحة الوطنية التي تكفل للمواطن في الحاضر والمستقبل حياة مستقرة في مجالاتها المختلفة، نحتاج إلى البحث في كل النظريات السياسية والتطبيقات العملية لتطوير نظامنا السياسي حتى يستطيع مواجهة التقلبات العالمية ومقاومة المؤثرات الداخلية والخارجية وبشكل يحقق للوطن وللمواطن الاستقرار السياسي المنشود، كما نحتاج إلى أن نستمع إلى دعاة الإصلاح الإداري الذين يطالبون بنظام إداري يعطي لكل ذي حق حقه ويمنح الكفاءات الإدارية المؤهلة الفرصة في عملية البناء والتطوير بغض النظر عن المؤثرات الجانبية وفي مقدمتها الواسطة التي قد تعصف بالمصلحة الوطنية وتسلب الانتماء ممن سلبت حقوقهم الإدارية عنوة، ولا بد أن نكون مهيئين للاستماع إلى دعاة الإصلاح المالي الذي يقوم على حفظ حقوق الوطن والمواطن ويحول دون استغلال المسؤول موقفه الإداري لتحقيق مصلحة خاصة قد تتعارض مع مصلحة الوطن والمواطنين، ويحمي الوطن من المخالفات المالية والأخلاقية التي تنتشر في المجتمع بمجرد حدوث ضعف في نظامه المالي.
ومن مساقات الاصلاح التي ننشدها تلك المتعلقة بسياستنا الإعلامية التي أولت التطبيل عناية خاصة على حساب الحقائق مما أدى إلى تشويه الواقع وقلب الحقائق حتى ظننا أننا نعيش في مجتمع مثالي خال من المشاكل المجتمعية المختلفة، وفي هذا السياق أجد أن من الواجب القول إن بعض الاجتهادات الإعلامية والتطبيل غير المنطقي يؤديان إلى نتائج عكسية مثل فقدان الثقة في الرسائل الإعلامية وحرمان المجتمع من الاستفادة من هذه الوسيلة الإعلامية المهمة، ولعلي في هذا المجال لا أحتاج إلى التدليل على عدم فاعلية سياستنا الإعلامية خاصة بعد أن وجدنا أنفسنا ننفق الأموال الطائلة على التطبيل الإعلامي في الوقت الذي تتفرغ فيه وسائل الإعلام الصهيونية للنيل من الوطن وثوابته الأزلية. وفي الوقت الذي وجدنا فيه أنفسنا مضطرين للبحث عن وسائل إعلام أجنبية لإيصال رسالتنا إلى العالم بشقيه الداخلي والخارجي، فمن المنطقي إذن أن نستمع إلى كل من ينادي بإصلاح هذه الوسيلة المهمة حتى نستطيع تجسير الفجوة بين المرسل والمستقبل وحتى نستطيع إكساب رسالتنا الإعلامية قوة اقناع اضافية نحمي بها أبناءنا وبناتنا من مؤثرات وسائل الإعلام الأجنبية.
يا سادة.. لا بد أن نعي أن الدعوة إلى اصلاح نظامنا التعليمي لا تمثل هجوماً على قيادتنا التربوية التي بذلت جل جهدها لتحقيق الأفضلية في هذا المجال المهم ولكن الرغبة في تحسين مخرجات التعليم وتنمية مهاراتهم العلمية والفنية تتطلب العمل على ادخال بعض الاصلاحات المهمة على هذا الحقل المهم مما يعني ضرورة الاستماع إلى كل دعاة الإصلاح المخلصين الذين يهدفون إلى تحسين الواقع ويتطلعون كما هو حال المسؤولين إلى تحقيق الأفضلية المطلقة.
وبشكل عام فإن الدعوة إلى الإصلاح التي قد تطول الكثير من جوانب حياتنا المختلفة لابد وأن تكون بالنسبة لنا دعوة خير لكونها في الواقع تتفق مع منهجنا كمسلمين وتتوافق مع تطلعنا كسعوديين نرغب دائماً في أن نكون مستقرين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً.. وبالتالي فإن من واجبنا أن نرحب بهذه الدعوة ونأخذها بالجدية التي تستحق ما دامت تسير وفق ثوابتنا الوطنية وما دامت تسعى إلى تحقيق مصلحة الوطن والمواطنين..
فهل نرى مع كل ما يجري في الداخل والخارج من أحداث اجراءات عملية لإصلاح الواقع؟ أتمنى ذلك..
|