إذا كانت التنمية في الوقت الراهن مطمحاً تسعى إلى تحقيقه الدول العربية والإسلامية، وشعاراً يرفع في كل مناسبة، واملاً تسعى إلى تحقيقه، وقضية قومية تحشد من أجلها جهود جميع أفراد المجتمع، وتتولاها كافة مؤسساته ووكالاته، فإن التربية تحظى من بينها بدور مميز في احداث تلك التنمية واستمراريتها، اضافة إلى أنها مؤشر من مؤشراتها باعتبارها إحدى الحاجات الأساسية التي تحققها التنمية، فتنمية رأس المال البشري من خلال التعليم أصبحت جزءاً لا يتجزأ ودعامة رئيسية من دعامات التنمية الشاملة، خاصة مع التحول من مفهوم التنمية، حيث لم يعد التركيز على العوامل المادية فقط، ولكن برز مفهوم جديد للتنمية يتمحور حول الإنسان وحول قدراته الإبداعية، وأصبحت العوامل الاجتماعية والثقافية معترفاً بها كعوامل فعالة وكنتائج نهائية للتنمية في آن واحد، فتنمية الثروة البشرية في موقع القلب من أي عملية تنموية شاملة. وبدون تنمية هذه الثروة البشرية، لن يكون علاج مشكلات التنمية إلا سطحياً زائفاً، وفوق هذا وذاك فإنه لا علاج لأزمة المجتمع العربي المعاصر إلا عن طريق تجويد الإنسان العربي، وتجويد إعداده. فلا تحديث بدون تربية تتفق وتحديات العصر، وبالتالي فإن تحديث نظم التربية تعتبر المدخل الرئيس لتحديث الإنسان العربي الذي يضطلع بمهمة التعامل الرشيد مع تحديات الحاضر وأزماته، وكشف اتجاهات المستقبل ليستطيع الحياة مع عالم الغد، لا يتكيف معه فقط، بل يؤثر فيه ويمارس فيه ارادته، فالمستقبل لم يعد كتاباً مغلقاً بقدر ما هو نتيجة للإعداد والترتيب والعمل من أجله، فإذا كان من الصحيح أننا نختار المستقبل بأفعالنا اليوم، فإننا في حاجة دائمة ومستمرة للتخطيط والإعداد له. إن واقع التعليم في عالمنا العربي والإسلامي رغم إنجازاته الكثيرة في حاجة دائمة إلى المراجعة، بل لعله على حد تعبير البعض بحاجة إلى ثورة تعليمية في فلسفته ونظمه وأساليبه، لاستشراف آفاق المستقبل والتوافق معها، ضماناً لإقامة نظام تعليمي ينشئ المستقبل ويوجهه، بدلاً من نظام ينتظر إحداث المستقبل لكي يلهث وراءه بعد حدوثه في محاولة للتكيف معه. والواقع أن التوجه المستقبلي يواجه بمجموعة كبيرة من التحديات أو المطالب تعكس نبض العصر وتطلعاته. وإذا لم يتم وضعها في الاعتبار فشل فشلاً ذريعاً في مهمته. هذه التحديات تتنوع ما بين تحديات موجودة بالفعل، وتحديات من المتوقع حدوثها وتحديات أخذت طريقها إلى التشكيل بالفعل، وبالتالي فنحن في حاجة إلى محاولة لتحديد ملامح اطار جديد للتعليم في عالمنا العربي والإسلامي يراعي تحديات ومتطلبات هذا القرن الجديد وذلك بعد دراسة أبرز التغيرات العالمية والاقليمية والمحلية وانعكاساتها على نظامنا التعليمي، ودراسة كيفية الارتقاء بواقعنا التعليمي من خلال ملامح واقعه ومشكلاته لمواجهة هذه التحديات الآنية والمستقبلية.
|