ظل الخطاب الأدبي بجميع أشكاله (صناعة ذكورية)، أي أنه يصنع في مجالس الرجال، فينقل أفكارهم وأقوالهم ومراياهم، وبذا يصبح عموماً معظم النتاج الفكري للبشرية قد تمت صناعته في مجلس الرجال.
لذا كثيراً ما نلمح الحضور الأنثوي إلى هذا المجلس حضورا حذرا وطارئا بحيث تظل صاحبته طوال الوقت تعتذر عن ذنب الصناعة الأدبية.
وهذا الاعتذار كثيراً ما يكون على شكل تبني المطروح والسائد بشكل مستميت، وكأنه إعلان رسمي بأن كلامي لن يهدد قوانين مجلس الرجال.
كان البريطانيون يسخرون من (مارغريت تاتشر) ويرونها رجلا حديديا قد ارتدى بزة نسوية، وهكذا الوضع تماماً عندما نتتبع بعض الكتابات النسوية، حيث يتبنين بروتكولات المجلس باستماتة وإصرار عجيبين، ويبدأن في التطبيل لها (حتى لو كانت تلك الطروحات ضد إنسانيتها)، ولكنها تصر في كل مرة على اعادتها بشكل أشد حدة، وكأنها تعتذر عن اختلافها النوعي طوال الوقت بتبنيها أشد الطروحات الذكورية تطرفاً.
أو قد يفسرها البعض برغبة عارمة في الحصول على جماهيرية شعبية من قبل الذين يهمهم استيلاد واستنساخ عيوبهم وندوبهم عشرات المرات عبر السنين.
وقد يكون هناك تفسير آخر لهذه الظاهرة وهو نضوب الإبداع، وعدم امتلاك الكاتبة آلية إبداعية كافية تخولها اكتشاف آفاق إبداعية جديدة ونادرة، فتتسول من سلة المطروح كعملية ترميمية كبيرة لهذا النقص.
تذكر الكاتبة الإنجليزية (فرجينيا ولف) في كتابها A Room of One,s Own
«إن شعور المرأة في مرحلة مبكرة من الوعي، بسطوة الثقافة الذكورية السائدة، يضطرها إلى استخدام أساليب هذه الثقافة ومحاكاة نتائجها في مواجهة هيمنتها، قبل أن تكتشف لاحقاً بأن تلك الثقافة تتعامل مع المرأة كموضوع، وليس إنساناً يشارك في الفضاء الثقافي».
وإلى أن تتوصل المرأة الكاتبة إلى تلك المفارقة فسنستمع إلى كثير من الزعيق والحدة التي تحاول فيها الكاتبة الاعتذار عن تواجدها في مجالس الكتابة.
|