حلقات أعدها : عبيد الله الحازمي
بعد أن استعرضنا بالأمس في الحلقة الاولى أهم الانجازات والمكانة التاريخية لوادي الصفراء محافظة بدر.. نواصل في هذه الحلقة الثانية الدور الكبير لموقع غزوة بدر الكبرى اول معركة قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ضد المشركين حيث كانت هذه المعركة قد فصلت بين الحق والباطل حتى سميت يوم الفرقان.
ومن يزور موقع المعركة ومسجد العريش والعدوة الدنيا والعدوة القصوى يقف متعجبا لتلك الأرض وطبيعة الموقع التاريخي الذي ما زال يحافظ على تاريخه منذ آلاف السنين، ومن ينظر الى جبل الحنان وهو العدوة الدنيا حيث عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم جبل العقنقل وهو العدوة القصوى حيث عسكرت قريش قبل الدخول لمكان المعركة.
ومن ينظر لجبل الملائكة بالجهة الغربية من مدينة بدر.. وقف متعجبا لهذا الموقع الاستراتيجي، ولكن قبل كل شيء بسابق علم الله وتقديره لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرج لقتال كما هو معلوم.. ولكن ارادة الله حددت الزمان والمكان ودبرت اللقاء والقتال. فمكان الغزوة كان اختياراً إلهياً شرف به الزمان والمكان. وقد تم اقتباس بعض المعلومات عن غزوة بدر من بعض المصادر التاريخية من محافظة بدر وكتاب بدر لمعالي الدكتور محمد عبده يماني فتلك مصادرنا في إعداد هذه الحلقة من حدود الوطن ولعلنا نورد هنا معركة بدر لمكانتها التاريخية التي انتصر فيها المسلمون.
موقعة بدر
كانت موقعة بدر الكبرى في يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثانية للهجرة وكانت هذه الغزوة الحد الفاصل بين الايمان والكفر اذ اعز الله فيها الاسلام وأهله مع قلة عددهم وعدتهم فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر العير المقبلة من الشام مع ابي سفيان وفيها أموال كثيرة لقريش فندب أصحابه وقال لهم هذه عير قريش قد صادرت أموال المهاجرين وحجزتها بسبب اسلامهم وهجرتهم وكأنه صلى الله عليه وسلم يريد بذلك ان يسترد بعض اموال المهاجرين التي استولت عليها قريش في مكة ولذلك فقد خف بعض اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل بعضهم لظنهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يلقى حربا، وكان ابو سفيان قد اصاب خبرا من بعض الركبان يقول: ان محمدا قد استنفر اصحابه لك ولعيرك فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري الى مكة وامره ان يأتي قريشا فيستنفرهم الى اموالهم ويخبرهم ان محمدا قد عرض لها في اصحابه فخرج ضمضم هذا سريعا الى مكة، ولما وصلها جدع انف بعيره وحول رحله وشق قميصه ونادى يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة اموالكم مع ابي سفيان قد عرض لها محمد في اصحابه لا ادري ان تدركوها الغوث. الغوث، فتجهز الناس سراعا فكانوا بين رجلين اما خارج واما باعث مكانه رجلا فلم يتخلف من أشراف قريش سوى ابي لهب بن عبد المطلب.
وكان خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت الثاني عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة، ويقول ابن هاشم يوم الاثنين في الثامنة من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة ودفع اللواء الى مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وكان هذا اللواء ابيض وكان امام الرسول صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان احداهما مع علي بن ابي طالب يقال لها الشقاب والاخرى مع سعد بن معاذ وهو من الانصار.
وكان عدد جيش المسلمين ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا معهم من الابل سبعون بعيرا فاعتقبوها فنزل قريبا من بدر، ثم ركب هو وابو بكر وذهبا يتطلعان اخبار قريش ثم رجع صلى الله عليه وسلم الى اصحابه فلما امسى بعث علي بن ابي طالب والزبير بن العوام وسعد بن ابي وقاص في نفر من اصحابه الى ماء بدر يلتمسون الخبر فوجدا اثنين من غلمان قريش يستقيان فأتوا بهما فسألوهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فقالا نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا ان يكونا لأبي سفيان فضربوهما حتى قالا نحن لأبي سفيان وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقال اذا صدقاكم ضربتموهما واذا كذباكم تركتموهما صدقا والله انهما لقريش اخبراني عن قريش قالا هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترونه بالعدوة القصوى والكثيب العقنقل فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كم القوم قالا كثير قال ما عدتهم قالا لا ندري قال كم ينحرون كل يوم قالا تسعا او عشرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم فيما بين التسعمائة والالف ثم قال لهما فمن فيهم من اشراف قريش قالا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وابو البختري بن هشام وحكيم بن حزام وابو جهل بن هشام وامية بن خلف وسهيل بن عمرو وعمرو بن عيدود فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ اكبادها.
أما قافلة ابي سفيان فقد أقبلت من الشام وقد تقدمها ابو سفيان حذرا حتى ورد الماء في بدر فعاد ابو سفيان الى اصحابه سريعا وتوجه عن طريق الساحل وانطلق شرقا الى مكة وقد بلغ قريش هذا الخبر وهم بالجحفة فقال ابو جهل والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم فيها ثلاثا فننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالوان بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الوادي وارسل الله السماء بالمطر فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لبد له الارض، ولم يمنعه من المسير واصاب قريشا منها ما لم يقدروا على الارتحال بعده فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فبادر قريش الى الماء حتى جاء ادنى ماء من بدر فنزل فيه فقال الحباب بن المنذر بن الجموح أرأيت هذا المنزل منزلا أنزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه ولا نتأخر عنه ام هو الرأي والحرب والمكيدة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو الرأي والحرب والمكيدة فقال الحباب يا رسول الله هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي ادنى ماء من القوم «اي قريش» فننزله ثم نفور ما وراءه من القلب «اي نردم ما خلف البئر الذي نزلنا عليه من الآبار» ثم نبني على بئرنا حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب، ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اشرت بالرأي فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فنزل على اقرب ماء من القوم وامر بباقي الآبار فردمت وبنى حوضا على القليب «البئر» فملىء ماء.
وهنا نهض سعد بن معاذ فقال يا نبي الله الا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن اعزنا الله واظهرنا على عدونا كان ذلك ما احببنا وان كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك اقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ولو ظنوا انك تلقى حربا ما تخلفوا عنك فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن معاذ ودعا له بخير ثم بني لرسول الله عريشا فكان فيه. وقد ارتحلت قريش الى ميدان المعركة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تنحدر من العقنقل قال لهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم احنهم الغداة فلما نزل الناس اقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فما شرب منه رجل يومئذ الا قتل، ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس يحرضهم على القتال قائلا والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر الا ادخله الله الجنة ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا وقال شاهت الوجوه ثم نحفهم بها وامر اصحابه ان شدوا عليهم فقتل من قتل من صناديد قريش واسر من اسر من اشرافهم فكانت الهزيمة للمشركين والنصر العظيم للمسلمين.
الملائكة
قال ابن عباس عن رجل من بني غفار قال اقبلت انا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون فننتهب مع من ينتهب قال فبينما نحن في الجبل اذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول اقدم حيزوم، فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه واما انا فكدت أهلك ثم تماسكت.
وعن اسيد مالك بن ربيعة وكان قد شهد بدرا قال بعد ان ذهب بصره لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم التعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك فيه ولا اتمارى.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشهد المعركة تدور وترسم خطوط النصر للمسلمين مد رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فجعل يهتف اللهم نصرك اللهم انجز لي ما وعدتني فما زال يهتف حتى سقط رداؤه فأنزل الله الآية الكريمة {إذً تّسًتّغٌيثٍونّ رّبَّكٍمً فّاسًتّجّابّ لّكٍمً أّنٌَي مٍمٌدٍَكٍم بٌأّلًفُ مٌَنّ پًمّلائٌكّةٌ مٍرًدٌفٌينّ}. الآية..
قال ابن عباس بينما رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين امامه إذا سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول اقدم حيزوم فنظر امامه واذا المشرك مستلقيا وقد خطم انفه وشق وجهه كضربة السوط وجاء الأنصاري وحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صدقت ذلك مدد السماء وهكذا كان النصر المؤزر للمسلمين على طواغيت الكفر والالحاد.
وبعد ذلك امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى من المشركين ان يطرحوا في القليب «بئر» وطرحوا فيه ووقف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا فقال له اصحابه يا رسول الله اتكلم قوما موتى فقال لهم ما انتم بأسمع لما اقول منهم ولكنهم لا يستطيعون جوابا ولما امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى ان يلقوا في القليب اخذ عتبة بن ربيعة فسحب الى القليب فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه ابي حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهو الذي قتل ابوه عتبة بن ربيعة وعمه شيبة بن ربيعة واخوه الوليد بن عتبة اثناء المبارزة الاولى في المعركة وبعد ان انتهت المعركة اقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة ايام ثم اتجه بعد ذلك للمدينة وبعث برسولين ليسبقاه الى المدينة ليبشر اهلها بالنصر.
شهداء المسلمين في بدر
شهداء هذه المعركة الخالدة في تاريخ الاسلام الذين استحقوا حياة النعيم والخلود عند ربهم، واستحقوا خلود الذكر في تاريخ الامة الاسلامية الى ان يرث الله الأرض ومن عليها رفعهم الله الى مصاف الكرام البررة تحمل لهم القلوب الثناء العاطر والذكرى الطيبة ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار وهم:
من المهاجرين
1- ذو الشمالين عمير بن عبد بن عمرو بن نضلة الخزاعي حليف بني زهرة.
2- صفوان بن وهب القرشي، وهو ابن بيضاء.
3- عاقل بن ابي البكير بن عبد ياليل بن ناشب، حليف بني عدي.
4- عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب بن عبد مناف القرشي اصيب في بدر ثم احتمل ومات في الصفراء ودفن بها ويوجد ضريحه في قرية الحمراء.
5- عمير بن ابي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص.
6- مهجع العكي مولى عمر بن الخطاب.
ومن الأنصار
1- حارثة بن سراقة بن عدي، وامه الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك.
2- رافع بن المعلى بن لوذان الخزرجي.
3- سعد بن خيثمة الأوسي الأنصاري.
4- عمير بن الحمام بن الجموح - الأنصاري.
5- عوف بن الحارث النجاري - وهو ابن عفراء - وهو اخو معاذ ومعوذ.
6- مبشر بن عبد المنذر الأنصاري.
7- معوذ بن الحارث النجاري الأنصاري «وهو ابن عفراء» وكان ممن شارك في قتل ابي جهل.
8- يزيد بن الحارث الخزرجي.
هؤلاء الرجال ضربوا المثل الاعلى، في الاخلاص لله ولدينه اندفعوا يطلبون الشهادة في سبيل الله، فكانوا في الرعيل الأول مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وصدق الله العظيم: {مٌنّ پًمٍؤًمٌنٌينّ رٌجّالِ صّدّقٍوا مّا عّاهّدٍوا پلَّهّ عّلّيًهٌ فّمٌنًهٍم مَّن قّضّى" نّحًبّهٍ $ّمٌنًهٍم مَّن يّنتّظٌرٍ $ّمّا بّدَّلٍوا تّبًدٌيلاْ } .
وتمضي السنون والقرون، فما تمر بالمسلمين شدة إلا وذكروا أبطال بدر وشهداء بدر.
ولا حققوا نصراً إلا وتمثلوا بيوم «بدر».
ولا أرادوا صموداً إلا وتنادوا بأمجاد «بدر».
وكم لهم على مدى التاريخ من أيام مجد خرجوا فيها للقاء عدوهم في شهر رمضان شهر «بدر» فاستلهموا صدقها واستعادوا أحداثها وتنادوا بشعارها.. فتحقق لهم نصر عزيز في امثال «حطين» و«عين جالوت» وسواهما من أيام جعلت «بدر» فيها مثالاً فبلغوا فيها آمالاً عزت على الغافلين.
وهكذا كلما عشنا هذه الذكريات العطرة وشعرنا بالعزة والفرحة وتذكرنا نصر الله عز وجل وعزة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه واستشرفنا ذلك التاريخ المشرق ارتاحت نفوسنا وامتلأت عزة وكرامة ورفعة رأس، وكان من واجبنا ان نعلم أولادنا ونتعلم نحن ومن حولنا من دروس بدر ومن فضائل بدر نرددها نشيداً جميلاً وكما قال الشاعر:
رددوها عسى تعود رؤاها
واصنعوا اليوم مثلها أشباها
واملأوا الروح من هواتف بدر
واطلبوا العز في طريق هداها
عل يوماً يعزنا مثل بدر
ويداوي من النفوس أساها
|
|