* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي:
أثار قرار الإدارة الأمريكية بمراجعة سياساتها في العراق مجموعة من التساؤلات حول حقيقة المأزق الذي تواجهه إدارة بوش في العراق بسبب انفلات الوضع الأمني وتصاعد عمليات المقاومة ضد القوات الأمريكية وتعثر جهود الاعمار ومدى ارتباط ذلك بقرب موعد الانتخابات الرئاسية عام 2004 وتدهور شعبية الرئيس الأمريكي بوش بسبب الفشل الأمريكي في العراق وجهود الإدارة الأمريكية لإنقاذ شعبية الرئيس قبل الانتخابات الرئاسية القادمة كما أثيرت تساؤلات حول نقل إدارة الملف العراقي إلى البيت الأبيض وهو الملف الذي شهد صراعا شديدا منذ بدايته بين تيار الصقور الذي يقوده دونالد رامسفيلد وزير الدفاع وتيار الحمائم الذي يقوده كولن باول وزير الخارجية وهو الأمر الذي فسره البعض على انه تقليص لسلطات رامسفيلد والذي تعرض لانتقادات عنيفة بسبب فشله في إدارة عراق ما بعد الحرب.
المأزق الأمريكي
ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد أيقنت بعد مضي 6 شهور على سقوط بغداد ودخول القوات الأمريكية إلى بغداد خطورة المأزق الذي تواجهه هذه القوات في العراق وخطورة التهديدات التي يواجهها الوجود الأمريكي هناك خاصة وان سياساتها في العراق تواجه الفشل يوما بعد يوم وطوال هذه الفترة التي تولى فيها البنتاجون ادارة الملف العراقي شهدت السياسة الأمريكية في العراق العديد من الاخفاقات بعد فشل القوات الأمريكية في السيطرة على الأوضاع الأمنية والقضاء على المقاومة التي صاحبها رفض شعبي لبقاء الأمريكان في العراق بسبب إجراءات الاحتلال التعسفية وما وصف بأنه أخطاء أمريكية في العراق وظهر ارتباك الإدارة الأمريكية بوضوح في ملء الفراغ الإداري والأمني فى العراق بعد سقوط نظام صدام فالإدارة المؤقتة بقيادة جارنر الحاكم العسكري لم تدم شهرا وفشلت إدارة بريمر الجديدة التي وصفت بأنها مدنية في السيطرة على الأوضاع او حتى تلافي الفشل بل وارتكبت العديد من الأخطاء التي زادت من سخط العراقيين على الوجود الأمريكي فى بلادهم ووسع ذلك من عمليات المقاومة ضد القوات الأمريكية وهيأ الشارع العراقي للتعاون معها بعد أن ضاق ذرعا بممارسات الاحتلال.
وربما كانت الخطورة الأكبر لتدهور الأوضاع في العراق في انعكاسها المباشر على الساحة السياسية داخل الولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بالخسائر البشرية في صفوف القوات الأمريكية بسبب المقاومة والتي وصلت إلى اكثر من 180 جنديا منذا إعلان بوش انتهاء العمليات العسكرية في العراق وإذا كانت هذه الأوضاع المتدهورة ساهمت في خلق رأي عام ساخط على الادارة الامريكية داخل أمريكا فقد استخدمها معارضو بوش ومنافسوه في الانتخابات الرئاسية من الديمقراطيين سلاحاً ضده في الترويج لحملاتهم الانتخابية وهو ما زاد من تدهور شعبية الرئيس الأمريكي حيث تشير الاستطلاعات إلى انخفاض عدد المؤيدين لسياستة بين الأمريكيين إلى مادون ال 50% للمرة الأولى منذ تسلمه منصبه في يناير 2001.
والى جانب تصاعد مخاوف الأمريكيين من الغرق في المستنقع العراقي وتكرار تجربة فيتنام في العراق وانعكاس ذلك على شعبية بوش بدأ طلب البيت الأبيض 87 بليون دولار يخصص معظمها لابقاء القوات الأمريكية في العراق وإعادة اعماره يوظف أمام الكونجرس لمساءلة الإدارة الأمريكية عن سبب فشلها حتى الآن في وقف العنف في العراق وإزالة العوائق أمام عملية إعادة الاعمار رغم كل هذه المبالغ الكبيرة المطلوبة إلى جانب ما اقره الكونجرس سابقا وبلغ 79 بليون دولار وهو ما أثار جدلا واسعا بعد أن بلغ العجز مستويات قياسية وتأخر النهوض الاقتصادي وتزايدت معدلات البطالة داخل أمريكا.
مراجعة السياسات
كل هذه التداعيات لفشل الإدارة الأمريكية في إدارة عراق ما بعد الحرب دفعتها إلى مراجعة سياساتها في العراق والبحث عن مخرج لها من هذا المأزق الذي يواجهه بوش وإدارته أمام العالم وأمام الرأي العام الأمريكي بينما أمريكا على مشارف انتخابات رئاسية جديدة وربما كان قرار الإدارة الأمريكية الأخير بتشكيل أربعة فرق عمل برئاسة مستشارة الامن القومي كواندليزا رايس لاحتواء الاضطرابات في العراق وأفغانستان الفرصة الأخيرة امام إدارة بوش للخروج من هذا المأزق ويأتى هذا القرار في اطار عملية إعادة تنظيم كبير للمساعي الامريكية للحد من العنف في العراق وأفغانستان وتتضمن تشكيل مجموعة تحقيق استقرار العراق التي ستعمل تحت رئاسة رايس.
على أن انتقال الملف العراقي بهذه الصورة المفاجئة للبيت الأبيض واعطاء رايس السيطرة المباشرة على مجرياته يثير الكثير من علامات الاستفهام حول اعتراف الإدارة الامريكية بفشل رامسفيلد والبنتاجون في إدارة هذا الملف خاصة وان المراقبين يرون أن القرار الجديد يحد من السلطة التي سيمارسها البنتاجون ورامسفيلد في العراق فيما بعد علما بأن وزير الدفاع واجه في الفترة الاخيرة انتقادات قاسية بسبب التخطيط السيئ لفترة ما بعد الحرب في العراق وهو الامر الذي قلل رامسفيلد من شأنه وحاول البيت الأبيض نفيه على لسان المتحدث الرسمي سكوت ماكليلان قائلا إن القرار الجديد ليس سببه فشل وزارة الدفاع وان المجموعة الجديدة تهدف إلى تقديم المساعدة للبنتاجون وسلطات الاحتلال للسيطرة على الأوضاع في العراق.
ويقول المراقبون إن تحويل الملف العراقي إلى سلطات البيت الابيض وتسليمه لرايس هو محاولة من الادارة الامريكية لإنهاء الصراع المحتدم بين الخارجية والبنتاجون على احقية كل منهم فى إدارة الملف العرقي منذ انتهاء الحرب وان ميل بوش إلى تصورات البنتاجون منعته من اعلان فشل رامسفيلد او نزع سلطاته كاملة من العراق.
ويبدو أن رايس راعت خلفيات هذا الصراع عندما اعلنت انها كتبت مذكرة التحرك الجديد بالتعاون مع نائب الرئيس الامريكي تشيني وكل من باول ورامسفيلد بعد محادثات أجرتها مع الرئيس بوش فى أواخر أغسطس الماضي وهو ما يعني من وجهة نظر المراقبين أن السياسة الجديدة ستراعي تصورات الخارجية والبنتاجون مع منح رايس والبيت الأبيض مسؤوليات وصلاحيات اوسع بهدف وضع حد للخلاف بين الجانبين والوصول إلى وضع امثل للسيطرة على الاوضاع في العراق ووقف الهجمات ضد القوات الأمريكية في اسرع وقت ممكن وتبدو هذه هى المهمة الأصعب أمام رايس في الفترة القادمة للخروج بالإدارة الأمريكية من مأزقها في العراق وانقاذ شعبية الرئيس الامريكي قبل الانتخابات الرئاسية القادمة.
|