وقف الرئيس الأمريكي بوش ليعلن على الملأ تأييده الصريح للممثل الأمريكي ارنولد شوارزينجر الذي قرر الدخول في حلبة السباق للفوز بمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا منافسا للمرشح الديمقراطي جراي ديفيز في انتخابات اكتوبر المقبل وقال الرئيس الامريكي بالحرف الواحد للصحفيين: اعتقد انه سيكون حاكما جيدا.
ويعرف عن شوارزينجر ميله للحزب الجمهوري ومشاركته الفاعلة في الحملة الانتخابية للرئيس الامريكي السابق جورج بوش.
وتأتي هذه الانتخابات في ظل الحملة الضارية التي يواجهها الحاكم الديمقراطي الحالي والمتهم بفشله في الاصلاح المالي للولاية والتسبب في عجز هائل بالميزانية يقدر بـ30 مليار دولار.
وفي السابع من اكتوبر القادم سوف يدعى 15 مليون ناخب في ولاية كاليفورنيا الى مكاتب الاقتراع لتقرير مصير حاكم الولاية الديمقراطي والذي يواجه حملة شرسة من الجمهوريين تمهيدا لاقالته.
ويبدو ان البيت الابيض يقف بثقله خلف شوارزينجر في حملته الانتخابية لأن نجاح حاكم جمهوري في كاليفورنيا والتي يسيطر عليها الجمهوريون من شأنه أن يعزز فرص الرئيس الامريكي جورج بوش في الانتخابات الرئاسية القادمة حيث انها من اكبر ولايات الاتحاد الفيدرالي والتي تستعصي غالبا على الجمهوريين والذين يفشلون في نيل ثقة ناخبيها حيث يدلون بأصواتهم لصالح الديمقراطيين.
ويراهن النجم الامريكي على نجوميته وشخصيته الاسطورية التي قد تكسبه اصوات الجمهوريين بالولاية متبعا خطى الرئيس الامريكي السابق رونالد ريجان والذي فاز قبل الوصول الى سدة الحكم الرئاسي بمنصب حاكم كاليفورنيا الامر الذي شجعه الى التطلع الى البيت الابيض.
وكان شوارزينجر والذي كان في بداياته بطلا لكمال الاجسام قد سافر الى الولايات المتحدة الامريكية من النمسا عام 1968م لينضم الى نجوم هوليود ويصبح من اشهر ممثلي السينما الامريكية وبطلا للعديد من افلامها والتي من ابرزها «المدمر» والذي كان له صدى وشهرة واسعة حيث حقق الجزء الثالث والاخير من هذا الفيلم ربحا يصل الى ثلاثين مليون دولار، ولذلك فليس غريبا ان يقول شوارزينجر انه سوف يدعم حملته الانتخابية من امواله الخاصة وانه لن يرضخ لاية ضغوط من اي جهة كانت.
ويعتبر شوارزينجر من المؤيدين بشدة للسياسة الاقتصادية المحافظة لكنه تحرري فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية كما يعد مناصرا لحقوق الشواذ والاجهاض.
لكن ما يعنينا في هذا المقام ليس المعركة الانتخابية في حد ذاتها ولكن ما يهمنا هو البحث والتحليل في الجذور العميقة للناخب الامريكي والرؤية التي يرسمها لنفسه وذاته ووطنه بالتطبيق على انتخابات ولاية كاليفورنيا، ففي استطلاع للرأي اجرته سي ان ان ومجلة تايم اظهر ان شوارزينجر يتقدم المرشحين الآخرين بفارق واضح حيث قال 25 في المائة من المشاركين في الاستطلاعات انهم يعطون اصواتهم الى الممثل النمساوي المولد، ومن هنا يتضح ان صناعة السينما الامريكية تمارس تأثيرا كبيرا على عقلية الناخب الامريكي والذي يقع تحت تأثير ثقافة العنف والتي تعكس تفوق المواطن الامريكي وتميزه عن بقية الاجناس والشعوب الاخرى في هذا الكوكب والدليل هذه النسبة الملموسة في الاستطلاعات والتي حصل عليها شوارزينجر في هذا الاستطلاع، فهو في عيون الناخبين البطل الذي لا يقهر وتدور افلامه غالبا حول الرؤية الامريكية النابعة من ثقافة الرامبو والتي تشير الى الامريكيين باعتبارهم اسياد هذا العالم، والقوة العظمى في هذا الكوكب.. ولذلك فان ترشيح هذا الممثل الامريكي سوف يشبع رغبة وغرور وكبرياء الناخب الامريكي واحساسه بالتميز والتألق، حيث انه يجسد من خلال افلامه صورة امريكا العظمى صاحبة المكانة العليا والهيمنة على العالم.
ويمكن التكهن بأن فرص شوارزينجر للفوز بهذه الانتخابات كبيرة، فهو يتمتع بشخصية كاريزمية ذات جاذبية وهي الشخصية التي تعجب الجمهور الامريكي بصفة عامة، فهو في افلامه دائما شهم شجاع لا يعجز عن تخطي الصعاب وتحدي الاشرار، وهو عاشق للحرية، لا يخون ولا يغدر وباختصار يبدو في افلامه انسانا خارقا للعادة ومثاليا الى حد كبير.
ومن هنا تبدو الارضية النفسية مهيأة تماما لشوارزينجر للفوز في هذه الانتخابات، فالافلام السينمائية التي تصنع شخصية الناخب الامريكي تسهم بدور كبير في بلورة الآراء وتشكيل آراء الناخبين تجاه المرشحين وكافة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولم يصبح خافيا على احد تأثيرها على انماط السلوك وطرائق التفكير لاسيما افلام العنف.
واذا كان المراقبون وخاصة الديمقراطيين ينتقدون شوارزينجر ويقللون من فرص فوزه في انتخابات الولاية لافتقاره الى الخبرة السياسية والرصيد الذي يؤهله لقيادة ولاية كبيرة مثل كاليفورنيا الا ان بعض المراقبين السياسيين يرون ان رونالد ريجان كان يفتقر ايضا الى الخبرة قبل ان يصعد الى سدة الحكم في الولايات المتحدة الامريكية ويتولى منصب الرئاسة مرتين ويصبح احد اشهر الرؤساء الامريكيين في التاريخ اضف الى ذلك الى ان الحنكة السياسية وحدها ليست كفيلة بالاستحواذ على ثقة الناخبين فهم قد يعطون اصواتهم لشوارزينجر انطلاقا من قناعات داخلية غير شعورية لوقوعهم تحت تأثير الافلام السينمائية الاسطورية والتي نجحت الى حد كبير في الاخلال بتوازنات الناخب الامريكي من الناحيتين: النفسية والعقلية معتمدة على فنون الحبكة السينمائية والاثارة و«الاكشن» دون الالتفات الى المعايير والقيم الاخلاقية والدينية.
ان ثقافة العنف التي افرزتها صناعة السينما الامريكية قد اثرت بشكل كبير على عقلية المواطن الامريكي، واسهمت بطريقة لاشعورية في تشكيل ذوقه ورؤاه وتطلعاته يساندها في ذلك الثقافة السائدة في المجتمع الامريكي التي يحكمها التمييز وعقدة الاستعلاء والسيطرة على العالم.
ويكفي ان نعلم ان اكثر من 90 في المائة من العاملين في الحقل السينمائي الامريكي من اليهود والذين احكموا سيطرتهم التامة على صناعة السينما ووسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمسموعة مستخدمين هذه الاسلحة الاعلامية الفتاكة للترويج لبرامجهم، ودغدغة مشاعر الامريكيين وكسب تعاطفهم تجاه قضاياهم، واظهار انفسهم كضحايا مضطهدين اما نحن العرب فما زلنا حتى الآن غير مدركين لاهمية سلاح السينما والتي نوظفها فقط في انتاج افلام الهلس والجنس والمخدرات.. فمتى نفيق من هذه الغيبوبة التي ألمت بنا.
|