** إلى سنوات ليست بعيدة.. كان كل شيء يريده الإنسان هنا.. ليس موجوداً سوى في المدن الكبرى فقط.. فالمدن الصغيرة أو حتى المتوسطة.. لا يوجد بها أي مرفق مهم.. حتى المعاهد والمدارس العليا والكليات لا توجد سوى في المدن الكبرى.. حتى معهد المعلمين الشهير لا يوجد إلا في المدن.. كالرياض والمدن التابعة لها وبعض المناطق الأخرى.
** أما سكان المدن الأخرى.. فضلاً عن سكان المدن الصغيرة أو القرى.. فعليهم الهجرة إلى المدن للبحث عن مدارس ومعاهد وكليات وجهات للدراسة أو العمل وهذا ما جعل في مدينة الرياض خمسة ملايين شخص.. أي نصف سكان المملكة تقريباً.
** مدن متخمة بالسكان وتئن من كثرتهم وتكاثرهم.. ومدن فارغة وقرى مهجورة أو شبه مهجورة.
** حتى المراكز الجديدة أو المصانع أو الكليات أو المعاهد كلها.. كانت مقصورة على المدن الكبرى.. وليس للمدن الصغيرة أو القرى أي نصيب..
** وهكذا الشأن نفسه بالنسبة للمعارض التي تقام كلها.. تنصب في المدن الكبرى.. حتى لو أقيم مهرجان أو معرض للتمور.. أقيم في الرياض مثلاً.. مع أن مدناً أو مناطق.. كالأحساء والخرج والمدينة المنورة والقصيم.. هي التي تمد المملكة وما حولها بثلاثة أرباع احتياجها من التمور.. ولهذا.. نحن مثلاً.. لا نستغرب إقامة مثل هذا المعرض أو المهرجان في مدينة كبريدة.. لكن أن يقام في الرياض أو في جدة أو في الدمام.. فهذا خلاف الواقع.. بل «عَمايَةْ رأي» لأن مناطق أو مدن التمور.. هي الأحساء والخرج والقصيم والمدينة المنورة.
** ويبدو لي .. أن الرئاسة العامة لتعليم البنات السابقة.. كانت من أكثر الجهات انتباهاً واهتماماً بهذه النقطة.. عندما عمّمت الكليات المتوسطة على كل مدن المملكة.. ثم عمّمت كليات التربية أيضا على كل مدن المملكة وأوقفت زحف الأسر إلى المدن الكبرى ـ لأن هناك عشرات الأسر تهاجر إلى المدن الكبرى أو إلى الرياض بالذات.. لأن ابنتهم «ابنة واحدة» تخرجت من الثانوية العامة وتريد إكمال دراستها العليا.. فتجر معها حوالي عشرين نفساً إلى الرياض أو إلى المدن الكبرى.. ليأتي معها.. الأب والإخوان والأخوات.. وكلهم يطالبون بالنقل إلى الرياض.. ويحرجون أنفسهم ويحرجون الجهات المختصة.. ويقعون في مشاكل.. وقد تنقسم أو تتشتت الأسرة.. ولكن عندما أقدمت الرئاسة العامة لتعليم البنات = في السابق = على هذه الخطوة.. انحلت المشاكل ووقف الزحف الكبير على المدن..
** وخذ مثلاً آخر.. كليات الزراعة مثلاً.. أو المعاهد الزراعية.. أين نصيب الأحساء والخرج والمدينة المنورة منها؟!
** إن الزحف على المدن الكبرى واستقرار الأسر فيها.. ليس ظاهرة صحية بل له من السلبيات الشيء الكثير.. والسبب.. هو حشد كل أجهزة الخدمات وأجهزة التعليم.. وحتى المؤسسات الأهلية والهيئات والشركات في المدن الكبرى فقط.. مما جعل شوارع المدن الكبرى تختنق.. ففي طريق مثل طريق الملك فهد.. يشق الرياض شمالاً وجنوباً.. وعرضه حوالي مائة متر.. يتوقف تماماً لساعات طويلة بسبب الضغط الهائل من السيارات التي تسلكه وهي فوق استيعابه واحتماله.
** إن الهجرة ظاهرة غير طبيعية.. فالكثير من المزارع في القرى.. هُجرت حتى ماتت النخيل واقفة.. والسبب.. انه لا يوجد لديهم إلى ما قبل سنوات حتى مدرسة ابتدائية أو مدرسة متوسطة.. فيضطرون للهجرة للبحث عن التعليم مثلاً.. ثم يصعب عليهم الرجوع بعد ذلك.
** إنها مشكلة.. الهجرة إلى المدن الكبرى وسوء «الدِّبْرِه» و«عَمايَةْ الرأي».
|