اليوم الذي لا مفرَّ لأحدٍ منه، هو اليوم العظيم الذي تُبلى فيه السرائر، أي تُظهر فما يخفى منها شيء، وتُبْدَى على رؤوس الأشهاد فما يغيب منها شيء، وتُكشف لأهل المشهد فما يُسْتَر منها شيء، هنالك حيث يصبح سِرُّ كل إنسان علانيةً، ويغدو كل مكنونٍ في القلوب مشهوراً، فلا مجاراة ولا مداراة، ولا يمكن أن يُخفى نفاقٌ ما يحمل صَدْرٌ مغلول، {يّوًمّ تٍبًلّى السَّرّائٌرٍ}، هنالك تزول كل وسائل التهويل والتضليل، والأكاذيب والأباطيل، يصبح الإنسان مكشوفاً، لا تستطيع ابتسامته الكاذبة أن تخفي أحقاده، ولا كلماته المنمَّقة أن تحجب أوهامَه.
{يّوًمّ تٍبًلّى السَّرّائٌرٍ}، يوم القيامة العظيم الذي تصبح فيه القلوب المطويَّة على الهوى مكشوفة للشمس تراها العيون سواء قائمةً على حقيقتها، وتصبح فيه العقول المطوية على الوَهم بارزةً لا تستطيع حججها الواهية أن تمنع أهل الموقف من رؤية خلاياها المسكونة بأوضار الأفكار المنحرفة وأوساخها.
{يّوًمّ تٍبًلّى پسَّرّائٌرٍ}، فما يظهر إلا الحق، ولا يبرز إلا الصِّدق، ولا مجال لإذاعاتٍ وقنوات فضائية، وصحافة تلبِّس على الناس أمور دينهم، وتخدعهم في أمور دنياهم، وتسعى إلى إشعال القتن، والشُّبهات والشهوات تحت مسمَّيات خادعات، كالحريَّة، والديمقراطية، وغيرها من الشعارات، وتستضيف الواهمين والواهمات، {الّذٌينّ ضّلَّ سّعًيٍهٍمً فٌي الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا وّهٍمً يّحًسّبٍونّ أّنَّهٍمً يٍحًسٌنٍونّ صٍنًعْا}.
{يّوًمّ تٍبًلّى پسَّرّائٌرٍ}آية كريمةٌ من كتابٍ كريم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بالرغم من كل غُثَاء القنوات العربية وغير العربية، ووسائل الإعلام «الغربية» و«الشرقية»، وبالرغم من كلِّ «نجوى» تخيط الوهم، ومن كل غيمة سوداء «هَتُونٍ» تَنْدَى بما لا يعجب الأرض، ولا يُنبت الزَّرْع، وبالرغم من كلِّ ذي عقلٍ «متروكٍ» في غياهب الشبهات، يسرح في سراديب أوهامه ولا يروح، ناسياً ذلك اليوم العظيم {يّوًمّ تٍبًلّى السَّرّائٌرٍ}.
ذلك اليوم الذي يَخْنَسُ فيه إبليس، فلا يستطيع أن يوسوس، وينهزم فيه أتباعه من الإنس والجنَّ فلا يستطيعون التمويهَ ولا التلبيس، كلُّ شيء في ذلك اليوم واضح، وقد أصبحت الأرض فيه كالبساط الممتد أمام البصر، فلا أودية سحيقة، ولا جبال عالية، ولا رمال ولا تلال، إنَّا هي شمسٌ قد دنت من الرؤوس، لتُظهر بأمر الله ما تنطوي عليه النفوس.
{يّوًمّ تٍبًلّى السَّرّائٌرٍ}، ذلك اليوم الذي تتحطّم فيه أحلام كل مكابر، ويرى الناس جميعاً كلَّ خائن وغادر، كما روى ذلك في الصحيحين عبدالله بن عمر رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم «يُرْفَعُ لكل غادرٍ لواءٌ عند استه، يقال: «هذه غَدْرَة فلان بن فلان» وأين يُرفَع ذلك اللواء، وأمام مَنْ يُرْفَع، وما جزاء صاحبه بعد أَنْ يُرْفع؟.
اسئلة مهمة، كلُّ ذي عقل يعرف جوابها، ويستشعر صعوبة ذلك الجواب.
{يّوًمّ تٍبًلّى السَّرّائٌرٍ}، {فّمّا لّهٍ مٌن قٍوَّةُ وّلا نّاصٌرُ}، هنالك لا تنفع وسائل الإعلام التي تُلْبِسُ الحرامَ ثوب الحلالِ، وتُلْبِسُ الحلالَ ثوبَ الحرام، التي تلمِّع الوهم للناس وتقول هذا هو العقل، وتزيِّن الباطل لهم وتقول: هذا هو الحقّ.
«فما له» أي الإنسان الذي تنكشف في ذلك اليوم سرائره سواء أكان رئيساً أم مرؤوساً، عظيماً أم حقيراً، غنياً أم فقيراً، هنالك في ذلك اليوم {فّمّا لّهٍ مٌن قٍوَّةُ وّلا نّاصٌرُ}، فما له قوَّة من نفسه تحميه، لا ذكاء، ولا فصاحة ولا ابتسامة، ولا حركة ولا تهريج ولا ترويج، ولا ادعاء ولا تزوير، لأن ذلك اليوم هو يوم الوضوح الذي لاخفاء فيه، يوم الجزاء والحساب بعد الإمهال الطويل من الله لذلك الإنسان في حياته الدنيا، وما له ناصر، أي قوة خارجية تنصره وتدافع عنه، وتحميه، وتحاول أن تلمِّعه أمام الناس، فهنالك لا ينقذ الإنسان نفسه، ولا ينقذه غيره، وإنما ينقذه صلاحه وإيمانه بالله.
{يّوًمّ تٍبًلّى السَّرّائٌرٍ}، يومٌ لا يجد فيه دُعاة الأوهام من تغريب، وعلمانيةٍ، وديمقراطية زائفة، وحرِّية كاذبةٍ، مَنْ يحميهم من الدول العظمى أو الصغرى. فهناك لا هيئة أمم، ولا مجلس خوف، ولا منظمة يونسكو، وإنما هنالك ميزان عادل، وسراط مستقيم، وجنة ونار، عند الذي لا تخفى عليه خافية.
{يّوًمّ تٍبًلّى السَّرّائٌرٍ}، ألا يمكن أن يستشعر عظمته أبناء جلدتنا الواهمون؟
إشارة
حكمةُ الله أن يظلَّ رفيعُ النفس وَخْزاً في قلب كل حسودِ
|