* الجزيرة خاص:
تتعرض الدول الإسلامية عموماً، والمملكة على وجه الخصوص، لانتقادات واسعة في إطار الخلط المتعمد بين الإسلام والارهاب في تجاهل او جهل من الغرب بسماحة الشريعة الإسلامية في التعامل مع الدول والافراد من غير المسلمين، وهو ما يحمل المؤسسات القرآنية والمهتمة بعلوم القرآن مسؤولية كبيرة في بيان خطأ او كذب هذه الاتهامات، وبيان سماحة الشريعة،
لكن ما هي طبيعة هذه المسؤولية وملامحها وقدرتها على تفنيد هذه الاتهامات الباطلة والنفاذ بسمو القرآن الكريم للبشرية كافة باعتباره منهاج عدل وخير لصلاح الدنيا والآخرة؟هذا ما نحاول الإجابة عنه من خلال هذا التحقيق.
حملات ظالمة
في البداية يقول فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالرحمن المحيميد رئيس محاكم منطقة المدينة المنورة ان العالم اليوم يعيش في حالة هياج لم يحدث لها مثيل فيما مضى من التاريخ والسبب في ذلك هو السباق المحموم للتزعم والتسلط مع ما وصلت اليه البشرية من الثورة الهائلة في الاتصالات والمواصلات والاعلام واسلحة الدمار وغيرها. وقد اصبحت الامة العربية والاسلامية هدفاً مهماً للاعداء الذين يحاولون ابتزاز ثرواتها الطبيعية والقضاء على دينها ومبادئها، بل ان من مقاصدهم إذلال العرب والمسلمين حتى لا تقوم لهم قائمة الى يوم الدين وما هذه الحملات الظالمة الطاعنة في الإسلام ومبادئه العظام الا جزء ومقدمة لما يراد بالامة من شر الا اذا وعينا وقمنا بما يجب علينا من اليقظة والحذر واتحدنا للذب عن ديننا وبلادنا وكنا يداً واحدة وصفاً واحداً لا نروج للشائعات ولا نفرح بالانتقادات الموجهة لبلادنا، ولابد ان نعد انفسنا لنكون صخرة قوية تتحطم عليها كل وسائل الاعداء للنيل منا.
ويضيف د. المحيميد أن وصف الاسلام والمسلمين بالارهاب جريمة مقصودة لتحزيب الاحزاب ضدنا، لكن لنا من ذلك اكثر من مخرج اذا بادرنا واغتنمنا الفرصة لبيان ما في ديننا من اليسر والرفق والسماحة وتيقظنا الى الاعداء ومن يعمل لحسابهم ممن ينسبون الى الاسلام فيجب ان نتبرأ من اي عمل فيه قتل وتفجير وارهاب واخافة فما ديننا بالاخافة والارهاب ومن الواجب على المسلمين خاصتهم وعامتهم افراداً ومؤسسات وحكومات ان يعوا طبيعة المرحلة الخطيرة التي تمر بها الامة، شنت الغارة على الاسلام من كل الاحزاب وطعنوا في الدين والعلماء وولاة الامر وعامة المسلمين.
فلابد من العودة الى معرفة دين الاسلام كما انزله الله في كتابه العزيز فهو دين الرحمة والسماحة لا ارهاب فيه وكيف يكون فيه ارهاب والله يقول لنبيه:{وّإنً أّحّدِ مٌَنّ المٍشًرٌكٌينّ اسًتّجّارّكّ فّأّجٌرًهٍ حّتَّى" يّسًمّعّ كّلامّ اللَّهٌ ثٍمَّ أّبًلٌغًهٍ مّأًمّنّهٍ ذّلٌكّ بٌأّنَّهٍمً قّوًمِ لاَّ يّعًلّمٍونّ}
ان الاسلام بما فيه من عبادات واخلاق دعوة الى الله تعالى بالتي هي احسن وحوار وجدال يدوران على امور حقيقة مسلمة.
ومسؤولية العلماء والمؤسسات القرآنية هي ابلاغ الاسلام وفرائضه وحدوده، واخلاقه العظيمة كما حددها القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى تتحول هذه المحنة ان شاء الله الى منحة من الله لاهل الارض يعز الله بها المؤمنين ويرد الكيد على من يكيد لعباده.
اعظم الفتن
من جانبه يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد اللحيدان، مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة الشرقية، ان اعظم الفتن الفتنة في الدين، بان يرى المرء الحق باطلاً والباطل حقاً وماذاك الا من المرء يتطاول في الفتن على الله ليجد لنفسه رخصة من حكم لهوى متبع كما قال الله:{وّمٌنًهٍم مَّن يّقٍولٍ ائًذّن لٌَي وّلا تّفًتٌنٌَي أّلا فٌي الفٌتًنّةٌ سّقّطٍوا وّإنَّ جّهّنَّمّ لّمٍحٌيطّةِ بٌالًكّافٌرٌينّ }
إذ انهم ظنوا السلامة بانحرافهم عن منهج ما كان يدعوهم اليه الرسول صلى الله عليه وسلم والفتنة في اتباعه وهم في واقع الامر قد وقعوا في الفتنة المؤدية الى العذاب بصدودهم عن المنهج، وان من نعم الله علينا ان حفظ لنا ديننا من الوقوع في الفتنة فيه بالمخلصين من العلماء العاملين الذين كانوا اعلاماً يهتدى بهم وائمة يقتدى بهم واقطاباً تدور عليهم معارف الامة.
والعلماء الربانيون هم شهداء الله في الارض الذين شهدوا بالحق واعلنوها على الملأ بأنه لا اله الا الله وانه سبحانه هو القائم بالقسط وأن كل حكم يخالف حكمه فهو ظلم وجور، قال تعالى: {شّهٌدّ اللَّهٍ أّنَّهٍ لا إلّهّ إلاَّ هٍوّ وّالًمّلائٌكّةٍ وّأٍوًلٍوا پًعٌلًمٌ قّائٌمْا بٌالًقٌسًطٌ لا إلّهّ إلاَّ هٍوّ العّّزٌيزٍ الحّكٌيمٍ }. وهم شهداء الله في ارضه يشهدون ان رسله صادقون مصدقون وانهم بلغوا الرسالة وادوا الامانة ونصحوا الامة وجاهدوا في الله حق جهاده، وهم شهداء الله في ارضه يشهدون بأحكامه على خلقه يقرؤون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويفهمونها فيشهدون على الخلق بما فيهما من احكام عادلة واخبار صادقة، فليس في الامة كمثلهم ناصحاً مخلصاً.
ويضيف الشيخ اللحيدان: ونحن في تلاطم هذه الاحداث وما حصل على الامة من فتنة عظيمة جعلت الاعداء يتطاولون على حصون العلم ومنابع الهدى ليجففوها ولم يستثنوا من ذلك حتى اهل القرآن ومدارسه وجمعياته الخيرية التي يهدف من إنشائها والعناية بها هداية الناس ليعبدوا الله حق العبادة ويحسنوا التعامل مع العباد على نور من هذا الكتاب العظيم والهدي النبوي القويم، ولا يستغرب على الغرب ما قد نجده من نظرة تعم المصلحين من ابناء هذا الدين ومن حملوا على عواتقهم العناية بالقرآن العظيم نظرة مبنية على رهبة كما قال تعالى: {لأّنتٍمً أّشّدٍَ رّهًبّةْ فٌي صٍدٍورٌهٌم مٌَنّ اللَّهٌ ذّلٌكّ بٌأّنَّهٍمً قّوًمِ لا يّفًقّهٍونّ } .
ولذا ينبغي لأهل القرآن والقائمين على مؤسساته المنافحة وبذل الجهد للذود عن حياض الدين وهذا واجب يحتمه عليهم ما تجده المؤسسات القرآنية خاصة والخيرية عامة من تطاول عليها للتشكيك في منهجها المؤدي الى تعطيل برامجها التي فيها نفع كبير وخير كثير ينقطع بانقطاعه عن الامة مورد مهم من موارد العلم والتلقي والنفع والحماية.
ويؤكد الشيخ اللحيدان ان على هذه المؤسسات القرآنية ان تدافع عن نفسها دفاعاً عن امتها وان توضح للعالم اجمع براءتها مما ترمي بها وان تقطع الطريق على كل مترصد افاك بتجلية حقائق مناشطها وتنقية اجوائها وعدم السماح للعابثين بولوج دورها والتلبس بلباسها حفاظاً على ما انتسبت اليه وتعظيماً لشأن الدين وحمايته. ولا يفوتني هنا التنويه بما تقوم به جميعات تحفيظ القرآن في المملكة من جهود مباركة على نهج ربط بالعلماء الربانيين واعتنوا به ورعوه الرعاية الفائقة تحقيقاً لما يوجه به ولاة الامر في هذه البلاد ايدهم الله ووفقهم في ذلك.
صورة مغيبة
من جانبه يقول د. عبدالله بن ابراهيم اللحيدان استاذ الدعوة بجامعة الامام انه من الحقائق القطعية عند المسلمين انه لا يوجد على وجه الارض شريعة صالحة تنبذ العنف والقسوة والظلم والارهاب كشريعة الاسلام، وفي ظل هذه الحقيقة نتساءل: الى متى ستظل صورة الاسلام الحقيقية مغيبة عن غير المسلمين؟ فالعمل اليوم بحاجة ماسة الى معرفة الاسلام معرفة صحيحة، ففي العالم اليوم ما يزيد على خمسة الاف مليون انسان لا يدينون بالاسلام، ومعظم هؤلاء لم تبلغهم الدعوة اطلاقاً او بلغتهم بصورة مشوهة. ولاشك ان من اكبر معوقات الهداية الى الاسلام ضعف معرفة المدعو او عدم معرفته بكون الاسلام سبباً لمصلحته وسروره وسعادته في الدنيا والآخرة ويزداد اثر هذا السبب في العصر الحاضر بما يسعى به كثير من المسلمين ومن غير المسلمين الى تشويه صورة الاسلام. واذا كان واقع المسلمين اليوم من اكبر الصوارف عن الاسلام، فإن الدعوة الى الاحتكام الى الحق لا الى الناس ومعرفة محاسن الاسلام هي طريق العقلاء من بكل البشر، لان قطاع الطريق الى الله من المسلمين ومن غير المسلمين تفننوا في ابعاد الناس عن الإسلام.
وفي سبيل التضليل يقف هؤلاء فيلبسون على من يقترب من الهداية بأن الاسلام يدعو الى الظلم والعنف والارهاب. وعندما تتجلى الحقيقة للبعض يلبسون عليه بأنه لا فرق بين الاديان كلها، وفي هذا الصدد يقول مراد هوفمان: لقد سمعت مراراً قبل اعتناقي الاسلام مقولة ان التحول من دين الى دين آخر ليس له اهمية حيث ان الاديان كلها تؤمن في آخر الامر باله واحد وتدعو الى الاخلاقيات والقيم ذاتها.
ثم ان الرواسب الفكرية عن الاسلام تصرف عنه تقول مافيز جولي «بريطانيا» قرأت عدة كتب عن الاسلام وقرأت ترجمة معاني القرآن الكريم الا انني كنت متأثرة بما سمعته من فوق المنابر المسيحية من الطعن في الاسلام. وكان للقرآن الكريم نصيبه من الطعن والتضليل عن هدايته ففي سبيل التضليل عنه كان نشر الترجمات المحرفة التي تشوه صورة الإسلام، بجميع اللغات.ويضيف د. عبدالله اللحيدان انه اذا كان غير المسلمين يتأثرون بالكتب المترجمة في طريق اسلامهم فإنه ليس هناك كتاب اعظم تأثيراً ووقعاً في النفوس من كتاب الله جلا وعلا، وها ما يبين حجم المسؤولية على المؤسسات القرآنية والمهتمة بعلوم القرآن في اظهار كتاب المسلمين بصورته الصحيحة الواضحة وتيسير ذلك بكل السبل، لكن من الحقائق المؤسفة ان كثيرا من غير المسلمين انما يعرفون دول الاسلام عموماً والمملكة خصوصاً من خلال وسائل الاعلام المضللة او من خلال الاطلاع على الترجمات المحرفة لمعاني القرآن الكريم التي تملأ المكتبات في بلدان غير المسلمين ولذا فإن غير المسلمين عندما يعودون الى هذا الكتاب الذي نحتكم اليه لا يجدون فيما عندهم من ترجمات سوى المعاني المستقرة في اذهانهم عن الإسلام بأنه دين الارهاب والظلم.
رأي منصف
على ان الباحث المنصف الذي يبحث عن الحق وحده يتأثر بلا شك بقراءة ترجمة معاني القرآن الكريم الصحيحة. تقول سميرة ايفان «بريطانيا» لم اكن اتصور ان كتاباً في الدنيا يحوي كل هذا العلم الواسع في امور الحياة شتى، ومن هذا الكتاب عرفت الكثير عن مكانة المرأة في الإسلام وما تتمتع به من حقوق كما اني آمنت بلبس الحجاب فهو يرفع من مكانة المرأة وينزهها ان تكون وسيلة لاثارة الشهوات.
ان الهاجس الاكبر لعالم اليوم هو العدل، والعدل والامن قرينان لا يفترقان، وكثير ممن لا يعرفون الاسلام لا يعملون ان اعظم عدل عرفته البشرية كان في ظلال الاسلام، فالظلم محرم على كل احد في الاسلام فلا يظلم المسلم احداً من بني جنسه اياً كانت ديانته، بل ولا يظلم الحيوان البهيم، ولقد نعم غير المسلمين في بلاد الاسلام بالعدل والاحسان وشواهد ذلك في تاريخ الاسلام لا تحصر، وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم من ظلم احداً من اهل الذمة والعهد بقوله: «الا من ظلم معاهداً او انتقصه او كلفه فوق طاقته او اخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة»، وكان خليفته الثاني عمر بن الخطاب يقول لعامله: اوصيك ان لا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم اهل الذمة. وفي لحظات موته كان يقول اوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً ان يوفي لهم بعهدهم وان يقاتل من ورائهم ولا يكلفهم فوق طاقتهم، وهذا غاية العدل، ولذلك قال له رجل من اهل الذمة عندما رآه نائماً بلا حرس يحرسونه: عدلت فأمنت فنمت.
ويخلص د. اللحيدان الى ان الذين يزعمون ان غير المسلمين لا يلقون الرعاية الكاملة في بلاد الاسلام ويتهمون الاسلام بذلك لا يعرفون عن الاسلام شيئاً ولا يدكون عظمة هذا الدين الذي دعت نصوصه الى احترام الانسان ورحمته اياً كان.وان من واجب العلماء ان يقفوا طويلاً على هذه النصوص ويبينوها لغير المسلمين ويبينوا سماحة هذا الدين وحسن معاملته لمن يعيشون في كنفه.ان البشرية اليوم احوج ما تكون الى منهاج عدل تحتكم اليه، والى نبذ التقليد وايقاظ الفطرة والعقل وتصحيح الفكر وتقويمه، وان الاصول المشتركة التي تجمع المسلمين بغيرهم م اكبر الاسباب التي تدعو الى الحوار البناء، بعيداً عن الهوى والعصبية، فالحق واحد لا يتعدد، وهو اما مع المسلمين او مع غيرهم ولا يعرف ذلك الا من انصف في البحث عن الحقيقة وتجرد عن الحكم المسبق على الآخرين. ان دين الاسلام موجود حسنه في العقل ويسره في النفوس وانما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات النشوء والتقليد ولو سلم المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره ولم يختر عليه ما سواه، ولذلك كان على العالمين بحقيقة الإسلام وجوهره ان يبينوا لغير المسلمين محاسن هذا الدين ويبينوا انه السبيل الوحيد لسعادة البشرية.
|