ربما يكون كثير من الظروف والاضطرابات التي يمر بها البشر هي من صنع أنفسهم، والحياة بطبيعتها فيها الحلو الذي نسعى لزيادته والمر الذي نبتغي تقليله أو إزالته، وهذا أمر مستمر دائم، متجدد بدوران عقارب الساعة، فلا يكاد يمر يوم إلا ويأتينا بالجديد الذي ينطبق عليه قانون السرور والحبور أو الحزن لا قدّر الله والثبور.
المشكلة لا تكمن في هذه المستجدات المتطورة دوما، ولكن تكمن في طريقة تلقي النفس البشرية لها، فمن المعلوم ان لكل منا نفسه وهيئته وصفاته وطباعه وطريقته في التعامل مع الظروف، فهناك من يجعل الظروف وسيلة لتحقيق السعادة مهما كانت قسوتها وشدتها وهناك من يجعلها نكداً حتى ولو كانت هي السعادة بعينها.
لقد أدمن بعض الناس الشكوى من كل شيء، ولو استطاعوا الشكوى من أنفسهم لفعلوا، فهؤلاء ان سمعوا خيراً اشتكوا منه، وإن رأوا ما لا يعجبهم تنكدوا، وإن حصلت فرحة أو مأساة عند غيرهم طاروا بشكواهم في كل الجهات، فهؤلاء هم الباحثون عن المشاكل، بل أكثر من ذلك هم الذين يصطنعون المشاكل، والمصيبة الأكبر ان الشكاية قد تأتي بالضرر على طرف آخر لا ناقة له فيها ولا جمل، وقد توجه صاحب العمل أو العلاقة باتجاه خاطئ يضر بالعمل والموظفين على حد سواء، وقبل كل شيء فان الشكاية غير المنطقية وغير الواقعية وغير الصادقة هي هدر للوقت وظلم والظلم ظلمات يوم القيامة وجور وتعدٍ ونفاق وخداع وفوق هذا وذاك هي كذب والمؤمن لا يكذب ، فهل علم الشاكون ذلك؟، هل علموه وتناسوه؟ أم هل علموه وأصروا؟ وهنا الطامة الكبرى.
إن هذه العملية ترتبط أشد الارتباط بنفس بشرية سوداء من داخلها، وقلب مخادع منافق دمه فاسد، وطباع شريرة لا تستقيم مع إنسان سوي، والعلاج يكمن بشيء واحد، ألا وهو لحظة صفاء واحدة مع النفس، مع الإيمان، مع كتاب الرحمن، ونجد ان الأمور تعود لسواء السبيل وتعود الطمأنينة للجميع، وتنخفض الشكايات الى ما قل ودل، وتزداد السعادة، ولكن كلنا يعلم القول الكريم: «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء».
|