كتب كثيرون عن مشكلة العنوسة في صفحات الجزيرة وعطفاً على ما خطت أناملهم أسكب دموعي مع تعليقي، عبر ناقل الصوت جاءت قصة إحدى المكتويات بنار العنوسة، صوتها خارق للأذان والأسماع - القلوب - دموع متشابكة مع صوتها المتواصل بنص كبر مقتا أن تكون حقيقته في مجتمع المسلمين فأنابت من يكملها ويسردها بكل وضوح (دخلت منزل والدها وهي خلفه بعد أن أوصلها من مقر عملها (مصدر راتبها) فتقدمت أمام الجميع وهي تضرب بيديها الناعمتين ما أمامها من ديكور وأثاث وهي تشهق ببكاء حار ثم ركضت وهرعت لغرفتها لا تلوي على شيء..
فتحت بابها بقوة ودموعها تترى على طرف اصابعها.. دلفت الباب، رمت بحقيبتها من على كتفها وصوبت بها جدار غرفتها فأصابت ساعة الحائط لتسجل رمية من غير رامٍ ثم نظرت في المرآة.. شدت بكل قوة أتيحت لها بعض شعرها مع شد حجاب رأسها.. تراجعت وبيدها زجاجة عطر رخيص ثمنه!! تناولته من تسريحتها وهي تتذكر بخل والدها عند شرائه من راتبها (عرق جبينها»)! جلست تنظر على طرف السرير تراقب وجهها الكالح في المرآة.. السواد يملأ غرفتها في وضح النهار..
تذكرت الليل وسدوله فراجعت إمساك الزجاجة بيديها الناعمتين ونظرت إليها وشهدت بها عالياً ثم رمت بها بكل ما أوتيت من قوة وسط زجاج المرآة (الوجه الكالح) فتطاير الزجاج من مرآة تسريحتها إلى كل قطر في غرفتها (سجنها).. لم يصبها الزجاج وتمنت اصابة قاتلة!!.. ولكنه تدبير الله فقامت وهي في حالة هسترية فأقبلت على خشبة المرآة فطرحتها أرضاً ثم رمت بنفسها على السرير الفرد وهي تبكي بكاء مراً، خشونة لباسها الشتوي حال بين طحين الزجاج الذي علا السرير أن يصيبها.. على ضجيج ما فعلت جاءت أمها لاهثة القلب متكدراً خاطرها.. بسرعة البرق حصل ما فات حتى فوت الفرصة على أمها المكسينة، لم تسعف الخطوات اللاهثة الأم المسكينة لتوقف نهاية الآلام، نعم دقائق لم تسعف الأم لتركض في أرضية المنزل الرخامية، أتت بعد فوات الأوان.. لم تشهد إلا ركام الحطام وصوت الشهيق المر، لم تلتفت لمشاهد الدمار وشرعت بالسؤال عن دمار قلب (العانس)؟، المسكينة في موقع جغرافي وتاريخي لا يسر حتى العدو، موقع غريب بين الجمال والخراب بين الشباب والعنوسة..
وضعت الأم يديها على رأس كبيرتها وأخذت برفع جسدها المنهك من ألم النفس وسألتها ما بالك؟
ما الذي حصل؟
فقالت وآهاتها وشهيقها عال لا يميز بسببه كلام: (أتسالين عن الخبر)، ألا تعلمين ما فعل بي والدي؟
والأم واجمة لا تدري ما تقول..
تواصل المسكينة وصف النفق المظلم والبكاء يقطع قلب كل جماد حولها: هذا عاشر خاطب لي وأبي يرده... لِمَ؟... لأنه ليس جامعي مع أنه تاجر كبير والأول لأنه أكبر مني بكثير.. كل يوم خاطب ومع كل خاطب عذر (معلب) من وارد الشيطان (تافه) كتفاهة حياتي.. عمل وراتب، وراتب وعمل!!
تخالط بكاء الأم مع بكاء العانس الذي لم يهدأ ساعة من نهار ولا طرف من ليل، مرضت (العانس) ومرض أبوها معها، وعلى أثر المرض مات الأب قبل ابنته.. رحل الأب وترك الألم.. أسمعته قبل الموت ما جعل روحه تفيض إلى ربها وهي باكية حزينة بعد فرح لم يدم طويلاً.. قالت له في ساعة الاحتضار: لا سامحك الله يا أبي.. لا سامحك الله يا أبي.. لا سامحك الله يا أبي..!
قصة لها أخوات وبنات عم وخالات فمتى يتعظ الغافلون؟! وكان الله في عون كل عانس جرت على نفسها ويلات العنوسة، وكان الله في عون كل عانس جر عليها المجتمع من حولها ويلات العنوسة.
شاكر بن صالح السليم
معلم - مدرسة عوف بن الحارث المتوسطة. |