هل تسقط حرب بوش الابن على العراق في الانتخابات القادمة - تسقطه - كما أسقطت والده من قبل، فقد حررت الكويت وتزعم بوش الأب قيادة التحالف في هذه الحرب عام 1991م وأعتقد أنه بتحريره الكويت من الاحتلال العراقي يستحق الفوز في الانتخابات ولكنه وجد نفسه خارج السلطة، ركب الرئيس بوش الابن نفس موجة أبيه ولكنه بدلاً من التحرير احتل الأمريكيون والبريطانيون العراق مدعين تحريره من الدكتاتورية وأخذوا يبشِّرون بديمقراطية ستكون فريدة من نوعها في الشرق الأوسط كما ستكون تجربة تحتذى في هذا الشرق.
لقد كان السبب الرئيسي الذي عزفت عليه الإدارة الأمريكية والبريطانية من أجل شن الحرب، هو امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل تهدد جيرانه، بل اعتبرت تلك الأسلحة المزعومة خطراً مباشراً على الولايات المتحدة الأمريكية وعلى العالم المتحضر بأسره، وبالتالي فقد حشدت الجهود لتضخيم هذا الخطر سواء عن طريق الإعلام أو المحاورات والمماحكات السياسية، كما استخدم الأمريكيون الترغيب والترهيب في محاولة إقناع غير المقتنعين بهذا الخطر الداهم الذي تشكله أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة وأقحموا أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الحملة المسعورة على العراق وذلك من خلال ربط النظام العراقي بتنظيم القاعدة، حيث قبض على أشخاص قلة في عدد من الدول الأوروبية زعم بأن لهم صلة بالقاعدة والنظام العراقي، ورغم أن المحاولة فشلت في الربط إلا أن الادعاء بالعلاقة استمر من القيادتين البريطانية والأمريكية، وقد كان ذلك محاولة لركوب موجة الحرب على الإرهاب التي ركبت في كل دول العالم واستغلال حماس الدول في محاربة الإرهاب، ورغم ذلك لم تنطل تلك الادعاءات على دول العالم وكان هناك إصرار على إعطاء الدور للأمم المتحدة لحل المعضلة العراقية.
وقد دأبت الإدارة الأمريكية على القول إن كل الخيارات مطروحة، والحقيقة أن الخيار الوحيد الأبرز هو خيار الحرب، إذ لم يكن الخيار الدوبلوماسي مطروحا بشكل يمكن أن يكون معه بارقة أمل في انفراج الأزمة، بل كان الحوار في أضيق حدوده ولم تفتح الإدارة الأمريكية حوارا مع العراق بشكل مباشر أو غير مباشر كما تفعل الآن مع كوريا الشمالية.
إن قرارات الأمم المتحدة حول العراق وتنفيذها كان منوطاً بالأمم المتحدة، وكان العراق يدعي تنفيذ الجزء الأكبر من تلك القرارات وتسانده إلى حد كبير بعثات الأمم المتحدة، ولكن أمريكا وبريطانيا كانتا تنكران أي تقدم مهما كان كبيرا، وتطور هذا الإنكار حتى تم في نهاية الأمر اغتصاب واستلاب دور الأمم المتحدة، بل إلغاء دورها في هذا الشأن، وتفردت الدولتان بإعلان الحرب على العراق دون تفويض من الأمم المتحدة.
وعندما انتهت الحرب وعمت الفوضى وساد الخراب والدمار مع الإعلان عن انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية، فقد كانت الحقيقة الواضحة هي أن العمليات العسكرية الثانوية هي التي انتهت واستمرت العمليات العسكرية الكبيرة على الأقل في خسائرها البشرية الأمريكية، بدليل أن خسائر الجيش الأمريكي تضاعفت بعد سقوط بغداد ناهيك عن سفك الدماء العراقية، وستستمر هذه الخسائر في الارتفاع كما تتوقع طالما اتبعت سياسة قطع أرزاق الناس وإهانتهم وعدم تفهم معاناتهم، وكيف لا تستمر وقد حلّ الجيش والشرطة العراقية وكثير من موظفي الدولة والذين تصل أعدادهم ربما لأكثر من مليونين.
لقد كان من الممكن الاستفادة من هؤلاء في إعادة إعمار العراق بحكم الخبرة ويمكن احتواؤهم وتوجيههم نحو السلم والسلام بدلا من تشريدهم وتشتيتهم وتجويعهم وجعلهم عالة على المجتمع من خلال توزيع قليل من المال شبيه بالصدقة لا يغني ولا يسمن من جوع، وفوق هذا وذاك تعمد الإهانة لهؤلاء المسرَّحين عند تسليمهم هذه الصدقات، بل تعرض بعضهم للقتل والإصابة.
لقد وجدت الإدارة الأمريكية نفسها في ورطة وبدأت في التفكير في العودة للأمم المتحدة لإخراجها من هذه الورطة ولكنها في الوقت نفسه ما زالت متمسكة بأن يكون لها القيادة والسيطرة والتوجيه في العراق، وأمريكا بذلك تتبع أسلوب الإملاءات بدلاً من الحوار، فضلاً عن أنها تجري الاتصالات من أجل إيجاد دول مانحة للعراق، وهي بذلك تدمر وتطلب من الآخرين التعمير، بمعنى أنها تطلب من الدول أن تمنح ولا يكون لهذه الدول شأن في تصريف ما تمنح، وأمريكا تقول إنها ستشارك بعشرين مليار دولار في تعمير العراق وستحصل عليه من نفط العراق، كما أن بريمر يطلب من الكويت والسعودية إسقاط دينهما عن العراق لكي يتم تعميره ولم يطلب هذا الطلب من فرنسا وروسيا ودول أخرى، بينما عندما طالبت الدول الأفريقية المثقلة بالديون من قبل الدول الأوروبية وأمريكا بإسقاط ديونها لم يكن هناك آذان صاغية، فلماذا لا تتصل الإدارة الأمريكية بالدول العربية من خلال الجامعة العربية أو من خلال التشاور المباشر مع الدول المجاورة للعراق وتطلب رأي هذه الدول في كيفية التعامل مع المسألة العراقية؟
لقد بدأ الديمقراطيون يتحدثون عن أن هناك مبالغة وتضليلاً في تقارير المخابرات الأمريكية حول أسلحة الدمار الشامل وأنه كان يجب عدم التسرع في شن الحرب، ولكن هذا الانتقاد جاء متأخرا وبعد فوات الأوان وهو كما يقال (To Little To Late) ويهدف هذا الانتقاد إلى كسب الانتخابات الرئاسية القادمة، وقد استغل الديمقراطيون تقرير ديفد كي مفتش أسلحة الدمار الشامل في العراق المعين من الإدارة الأمريكية، ومن المخابرات الأمريكية بالتحديد، والذي استعان بأكثر من 1400 مفتش للبحث عن أسلحة دمار شامل ولم يجدوا شيئا حتى الآن، وهذا التقرير الذي يسمونه بالأولي يقول إن هناك دلائل على أن هناك نية لدى النظام العراقي لصنع أسلحة دمار شامل مستدلين بأجهزة ربما وجدت، فالحكم هنا على النوايا وليس على الواقع، وديفد كلي يطلب مهلة تسعة أشهر ليتمكن من العثور على أسلحة دمار شامل في حين رفضت أمريكا منح شهرين للأمم المتحدة.
أمريكا وظَّفت المخابرات الأمريكية في عملية التفتيش وغيبت مفتشي الأمم المتحدة والله العالم بما تخبئه الأيام وماذا يتم خلال الأشهر التسعة القادمة والتي تكفي لإنتاج أسلحة دمار شامل في العراق بمعدات قديمة في العراق، من الذي سيقول إن هذه ليست مصانع العراق طالما المفتشون كلهم من المخابرات الأمريكية فالمدعي أمريكي والقاضي أمريكي والخصم أمريكي.
إن هذا التقرير وإن فتح فرجة للديمقراطيين للعزف عليه وانتقاد الإدارة الأمريكية طمعاً في الفوز في الانتخابات إلا أنه ترك الباب على مصراعيه للرئيس بوش لاستغلال ما ورد فيه من بوارق أمل في العثور على أسلحة دمار شامل وكأن الرئيس بوش يقول بأن الأعمال بالنيات ولكن من يثبت أن النية كانت مبيتة، وهو يستغل وجود معدات تصلح لإنتاج أسلحة دمار شامل ولكن يمكن لها أن تنتج غير ذلك وهو يستغل مهلة تسعة أشهر لعل وعسى أن تتفتق أذهان المخابرات عن حل منقذ.
التقرير أيضاً فتح باباً للتكهنات ووضع فرضيات حول أسلحة الدمار الشامل العراقية وما حل بها، وتمهيداً للفرضيات بدأ الأمريكيون بالقول ان صدام حسين ذكي جدا ومخادع وماهر في المراوغة والتضليل أي أن له صفات خارقه وفوق العادة، وهذا التضخيم لشخصية صدام هو شبيه بتضخيم قدراته العسكرية في عام 1991م حيث حشدت القوى العالمية للتغلب على جيشه الجرار كما يقال.
أورد ديفد كي مبررات فشل فريقه في الحصول على أسلحة دمار شامل وذلك بالقول: بأنه ربما كان العلماء العراقيون يخدعون صدام بالادعاء بأنهم صنعوا أسلحة وهم لم يصنعوا حيث كانوا يخافون منه وفي نفس الوقت يطمئنونه ويحصلون على مكافآت، وفرضية أخرى تقول إنه كان لديه ترتيبات لإنتاج أسلحة دمار خارج العراق، أخرى تقول إنه ربما كان لديه وأنه تمكن من تهريبها للخارج، وأخرى تقول إنه لم يكن لديه أصلا أسلحة دمار شامل وإنما كان يدعي لكي يظهر بأنه قوي، أو أن لديه أسلحة دمار شامل ونجح في إخفائها، أو أنه دمرها قبل الحرب، أين كانت هذه الفرضيات ولماذا كانت غائبة عن أقوى استخبارات في العالم؟
على كل حال صحوة ضمير الديمقراطيين جاءت متأخرة وربما لا تنفعهم رغم تراجع شعبية الرئيس بوش لأن هناك ربما تأخير في اعتقال أو قتل صدام حسين حتى قبيل الانتخابات بفترة وجيزة أو اكتشاف أو تصنيع قليل من غاز الخردل وربما يكون ذلك كافيا لرفع أسهم بوش وفوزه في الانتخابات القادمة.
لن يستقر الوضع في العراق طالما لم تعط الأمم المتحدة دوراً واضحاً ومؤثراً، ولن يستقر العراق طالما تم استبعاد الكوادر القادرة في المؤسسات الحكومية المختلفة، ولن يكون هناك استقرار ما لم يتم التنسيق والتشاور مع الدول العربية التي يهمها استقرار العراق، ولن يتم الاستقرار في العراق طالما اتبعت سياسة الإملاءات والترهيب، ولن يكون هناك استقرار طالما استمر ركوب موجة محاربة الإرهاب ووضعها في غير محلها الصحيح.
لقد كان النظام العراقي السابق بلا شك دموياً ودكتاتورياً وسيئاً بكل المقاييس ولكن ما يحصل اليوم للشعب العراقي يمكن اعتباره في درجة من السوء لا تبتعد كثيرا عن سوء حالة الشعب في عهد النظام الدكتاتوري السابق، بل إنها في بعض الجوانب أكثر سوءاً وخاصة الناحية الأمنية والمعيشية والخدمات، والاحتلال لا يمكن تلميعه أو تغيير اسمه كما لا يمكن تسويقه أو القبول به مهما كان الترويج له.
نتمنى أن يستقر الوضع في العراق وأن يمكن أهله من حكمه بطريقة يرضاها الشعب العراقي بكل أطيافه ويزول الاحتلال لكي يتمكن العرب من التواصل بطريقة بعيدة عن الضغط مع الحكومة الجديدة المنتظرة والمنتخبة من الشعب العراقي.
|