طالعتنا صحيفة البلاد في عددها 3570 بمقال مطول للاستاذ أحمد عبدالغفور عطار جمع فيه أموراً يصعب عليك التفريق بينها في مقال يظن ولاول وهلة انه يتحدث عن موضوع واحد فقط فإذا به يتحدث عن مواضيع.. وكان الأولى بالاستاذ وهو الفاهم الحصيف ان يقسم مقاله بدلا من هذا الخلط ومداخلة الكلام بعضه ببعض والحق ان المقال موضع شك كبير لا سيما وقد خرج العطار فيه عن مألوف عادته حيث تحدث عن طه حسين كثيراً ولا اخال البتة ان رجلا مثل العطار يخفى عليه مثل طه حسين وسوف يتضح جليا بحول الله خطأ الأستاذ الذي ارتكبه فنبدأ أولاً بما يأتي:
ذكر الأستاذ العطار طه حسين وبالغ في الثناء عليه وذلك لأن طه حسين مدح الدعوة الوهابية واشاد بها ويذكر العطار انه والشباب معه في مكة كانوا يمقتون الدعوة وينظرون اليها شزرا ولما كتب عنها طه حسين عاد العطار كما ذكر الى حب الدعوة واقرأ معي قوله:
واذا كنا نحن الشباب في سنة 1351هـ 1933م قد تأثرنا ونحن بمكة حرسها الله بما كتب طه فغيرنا مثلنا ولعلنا اشد شباب العرب مقتا للوهابية، ومع هذا انتزع منا مقال طه هذا المقت في الوقت الذي لم يستطع اساتذتنا ازالته.. انتهى.
عجيب امرك ازال طه حسين هذا المقت من نفسك في الوقت الذي لم يستطع اساتذتك ازالته.. عجيب ان يكون الامر كذلك وما نخاله أيضاً إلا قد قادك الى مذهب ديكارت.. اذا كان طه حسين قد اثر فيك هذا الاثر الكبير الذي لمسناه في مقالك، فماذا سيكون تأثيره عليك من جهة العقيدة، انك ايها الاستاذ تكتب وتنسى ان للتاريخ اذاناً وتنسى ان الشباب قد افاق ولم يعد يقبل منك ومنه عدلا ولا صرفا.. ان الشباب قد افاق وعرف طه حسين، عرفه قديما وحديثا، فسيان الأمر الآن تكتب انت أو يكتب غيرك «فما يوم حليمة بسر» ايها الاستاذ ان طه حسين هو هو، كتب أو لم يكتب، وان احببت ان تعرف طه حسين في الستينيات وما بعدها فاقرأ كتاب «الفكر الاسلامي المعاصر» لغازي التوبة، انه كتب عن الدعوة الوهابية ومدحها ولكن ماذا قال عن محمد صلى الله عليه وسلم، بل ماذا عن القرآن والاسلام؟ ألست رجل دعوة من المنصفين اذاً كيف يكون الامر منك كذلك تجاه رجل لا يخفى عليك البتة صنيعه.. انك ايها الأستاذ مع ما لك من المكانة الطيبة لم تستطع ان تقول - الحق - هنا ولا أدري ما مرادك من هذا المدح والاطراء الذي لم تقله الا لطه حسين وانت انت الكاتب الفاهم البصير، ولا يفوتني هنا ان اذكر لك غلطة كبيرة ناتجة عن عدم فهمك لمعاني القول وذلك حين ايرادك هذه الكلمة لطه حسين مستشهداً بها «كل واسطة بين الله وبين الناس هي احياء للاسلام العربي» انتهى.
لقد نقلت هذه الكلمة وانت في بحر من العواطف، وفي محيط من التأثر فما معنى «للاسلام العربي»؟
هذا أمر، والأمر الثاني: اكثرت من قولك «الشباب» وكأنهم انابوك لتتحدث عنهم تجاه طه حسين وانهم قبلوا ما قال عن الدعوة الوهابية وتأثروا بقول طه حسين الاديب المشهور واليك مقتطفات من كلامك، قلت: «واذا كنا نحن الشباب إلخ» وقلت: وما اشك ان طه حسين اثر في شباب العرب الذين يعشقون الادب والعلم وقلت: وقد اثر في الشباب العربي في كل مكان وقلت: نزع من اذهاننا عندما كنا شبابا ما كان قد استقر بها من معلومات خاطئة. انتهى.
اما كان الأولى ان يؤثر فيك وفي غيرك ممن قرأ له «قديما» من جهة مذهبه في الدين، والأدب فاذا كان قد اثر عليك من جهة الدعوة الوهابية، فأنا زعيم انه قد اثر عليك من جهة آرائه التي لا تخفى عليك بحال، واعود فأقول انك في هذا الامر لمن الخطأ بمكان فمن اعلمك ان الشباب تأثروا بقول طه حسين: ان دعوة الشيخ رحمه الله لا تحتاج الى مدح مادح أو قول قائل وهل تفقد الشمس في رابعة النهار؟
لقد كتبت هذا النقد الصريح وانا اعلم علم يقين انه سيكون هناك بعض المناوشات التي لابد ان تحدث خاصة فيما يكتب عن طه حسين ومن شاكله، ولم اكتب ما كتبت الا وقد استندت على تاريخ تتبع آثار جميع من حامت حوله بعض الشبه والشكوك سواء من ادباء أو كتاب أو مؤرخين.. هذا «والتاريخ رواية بعد دراية».
|