حَسبتك كالفراشة في الحقولِ
بأكمام الزّهور لها احتفاءُ
تروحُ وكلّما راحت تجيءُ
وفي تكراره زاد الغلاءُ
تراها كلّما حطت وطارت
يُشعشع في جناحيها الَضّياءُ
مسالمةً إذا حضرت وغابت
وصابرةً إذا حلّ البلاءُ
تلوذُ بصمتها والحسنُ يحكي
ويزهو في مواكبها البهاءُ
تطير تحطّ يغمرها هدوءٌ
يدثّرُ خدْرها دوماً ضياءُ
تسامح ليس يغريها انتقامٌ
ترفرف ليس يثنيها جفاءُ
حسبتك بلبلاً في كل دوحٍ
يغرَّد أينما سكن الغناءُ
ورقيا للعليل إذا تلوّى
وبلسَم كلّما عزّ الدواءُ
لِحافا في الصَّقيع يَمُورُ دفئاً
ومدفأة إذا جُنَّ الشّتاءُ
وأَمناً لو تملَّكنا رهابٌ
وملجأَ إن يباغتنا اعتداءُ
وصدراً يحضن الغرباءَ منّا
وينبوعاً إذا ما شحّ ماءُ
حسبتك كلما برزت خصومٌ
تجلّى الحلمُ عندك والدَّهاءُ
رضا الأحباب يحرزه أريبٌ
وليس يُفيدُ من خاب البُكاءُ
هَم الأهلونَ مَنْ فرَّطْ بأهل
فلا أرضٌ تظلّه أو سماءُ
لأرحامي أنا أخفض جناحي
ولو جاروا فإنّهم الرجاءُ
فلا عزّ بغير الأهل يُبنى
وكلٌّ تزلف أقصى ريَاءُ
ومن يتبرأون اليومَ منهم
أنا منهم ولو نافوا براءُ
فلا كنَّا ولا كانت قصور
إذا الأحبابُ يؤويها العَرَاءُ
أنا لو أنّ أصغرهم دعاني
لهم نفسي وما ملكت فداءُ