تجمع النخب في عالمنا العربي والإسلامي على أن أبناء أمتنا أضاعوا فرصا تاريخية لا تعوض، وأهدروا إمكانات وموارد لا تقدر، إلى جانب الانقسامات والصراعات والانقلابات التي لم يجنوا من ورائها سوى هدر ثرواتهم ومنجزاتهم الحضارية، وتباطؤ التنمية وتعطيل حركتهم في التاريخ، فإذا اتخذنا مؤشر التنمية الاقتصادية العربية كمثال للتدليل على ذلك باعتبار ان الانتعاش الاقتصادي هو الطريق المباشر المؤدي للاستقرار السياسي والأمني في أي منطقة من العالم، لأدركنا حجم ومقدار التردي الكبير لدى الكثير من الدول في أمتنا.
فلقد كان الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية مجتمعة في عام 1980م 440 بليون دولار، وظل على مستوى 450 بليون دولار عام 1990 ثم ارتفع الى 528 بليون دولار عام 1995م مقابل نمو سكاني 6 ،2% سنويا حتى بلغ تعداد الدول العربية العشرين آنذاك من 135 مليون نسمة عام 1980م الى 252 مليون في عام 1995م وهذا يعني ان متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قدانخفض بنسبة 36% خلال تلك الفترة في حين شهدت الدول النامية في نفس تلك الفترة ارتفاع متوسط دخل الفرد لأكثر من 40%.
كما بلغ إجمالي الصادرات في الدول العربية غير النفطية حوالي 33 بليون دولار عام 1995م وهو اقل من صادرات دولة واحدة مثل (فنلندا) التي بلغ إجمالي صادراتها 42 بليون دولار وهي التي لا يتجاوز تعداد سكانها خمسة ملايين ومائة الف نسمة، أما إجمالي صادرات العالم العربي بما فيه الدول النفطية فلقد بلغ 143 بليون دولار عام 1995م وتشكل نسبة هذه الصادرات 8 ،2% من إجمالي صادرات العالم في نفس ذلك العام، كما يبلغ حجم رأس المال العربي المستثمر في الخارج 800 بليون دولار وهو يزيد عن الاستثمار الخارجي لأي منطقة في العالم.
الا يستوجب ذلك إجراء برامج وآليات عربية جديدة من أجل توظيف جزء من هذه الاستثمارات داخل العالم العربي ليستفيد منها العالم العربي بالدرجة الاولى والعالم الإسلامي تباعا؟
كما تعاني معظم الدول العربية من عجز في ميزانيتها العامة، فعلى سبيل المثال لقد بلغ العجز الاجمالي للدول العربية حوالي 4 ،21 بليون دولار عام 1995 بنسبة 4% من الناتج الاجمالي لهذه الدول.
وبقيت الاقتصاديات العربية منكمشة داخل قيودها المميتة وبقيت التعرفة الجمركية قائمة والقيود البيروقراطية راسخة، مما ادى الى انعدام فرص المنافسة وإيجاد استثمارات داخلية مقابل زيادة في الإنفاق للسلع الغذائية والاستهلاكية والسلع المستوردة دون اي تطور في ادوات الإنتاج المحلي على المستوى الوطني والقومي.
لابد ان نعترف بمجموعة المعوقات السياسية والاقتصادية التي تقف حائلاً أمام تطورنا العلمي والتكنولوجي، وامام التكامل الاقتصادي العربي وأمام دمجنا في الاقتصاد العالمي، وتحرير تجارتنا، فالعديد من الدول العربية لم تستطع البتة مجاراة الركب العالمي نحو الازدهار والرقي، كما ظل الإنفاق في أمتنا العربية والإسلامية على التسلح والحروب والأجهزة الأمنية والاستخباراتية، هو الإنفاق الاكبر بل ويعادل مئات الأضعاف فيما ينفق على الزراعة والصناعة والمجالات التربوية وغيرها من البنى الأساسية والتحتية.
فآخر الإحصائيات التي قرأتها عن (التسلح في منطقة الشرق الأوسط) تقول: إن منطقتنا هي اكبر مستورد للسلاح في العالم، فإجمالي الصادرات من السلاح في العالم بلغ 41 بليون دولار خصص ثلثها لدول الشرق الأوسط التي حصلت على أسلحة تقدر ب 15 بليون دولار وترى النخب السياسية والفكرية في أمتنا، بأن هذا المنحى من (جنون التسلح) في منطقتنا لا قيمة ولا نفع له البتة، ما دامت الإرادة والتكنولوجيا والمعرفة مرتهنة جميعها عند الآخر، وخصوصا لدى صاحب القطب الاوحد في العالم، (أمريكا) الحليف الاكبر لإسرائيل التي لم تدخر جهدا في تطوير صناعاتها الاقتصادية والتسلحية.
إن طرح بعض من هذا الواقع الذي يعوقنا في كل اتجاه، لهو الرد الحقيقي على بعض الخياليين والحالمين في امتنا الذين يؤمنون عبثا بصنع دولة ذات سيادة وحجم ونفوذ سياسي كبير دون انجاز ولو الحد الادنى من المعدلات التنموية والاقتصادية اللازمة لتحقيق ذلك.
ومتى سيصبح لدينا إجماع عربي على ضرورة تحقيق ذلك وبأقصى سرعة ممكنة؟ إن القضية باتت صراعاً من اجل البقاء.. وبقاؤنا في هذا العالم بات رهينة تحقيق ذلك.
ومتى ستبدأ.. أولى الخطوات في الطريق الصحيح؟؟
إضاءة:
يقول ابن خلدون (إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده..)..
*عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
فاكس: 6066701
ص. ب 4584 جدة 21421
|