السر في نجاح وسعة انتشار بعض الكتب التي تتعلق بالسلوك الإنساني تعديله أو تطويره، المتعلقة بالشخصية.. وفن الإدارة والقيادة.. وفن الخطابة.. والتأثير في الآخرين.. وغيرها؛ السر يكمن في تعلقها بالحياة اليومية وتقديمها على شكل قصص واقعية مثيرة وأفكار وآراء وخبرات تطبيقية ليس كما في بعض الكتب الاكاديمية وان كان فيها من الوفرة المعلوماتية الكبيرة لكن عدم الإقبال عليها إلا من قبل المختصين وذلك لطريقة عرضها لتلك القواعد والمعلومات.
مما يؤخذ على الكتب الأكاديمية في علم السلوك أنك إذا قرأت كتابا فكأنك قرأت مئة كتاب، الأفكار هي هي وقد أعيدت مع اول ترجمة، إلى جانب أنها حقائق علمية بعيدة عن واقع حياتنا اليومية. تأخذ مثلاً كتب: الذكاء.. التفكير.. العبقرية لتجد أنها كتب أكاديمية يذاكرها الطالب الجامعي لينجح في الاختبار.
من الكتب التي لاقت نجاحاً وانتشاراً واسعاً كتاب (دع القلق وأبدأ الحياة) للمؤلف الشهير (دايل كارنيجي) يقول عنه: (ليس هو بالكتاب الأكاديمي الذي يعظ كيف يمكنك التغلب على القلق. لقد حاولت أن أكتب تقريراً سريعاً وموثقاً عن: كيف استطاع آلاف الشبان أن يتغلبوا على القلق «فهو يورد قصصاً ويؤكد واقعيتها بقوله:» يسعدني أن أقول إنك لن تجد في هذا الكتاب قصصاً خيالية أو أسماء وهمية، باستثناء حالات نادرة جداً. هذا الكتاب يعطي أسماء وعناوين. انه كتاب موثق).
لو تناولت كتب المؤلف الكبير الشهير (دايل كارنيجي): «كيف تكسب الأصدقاء؟» و«فن الخطابة» و«دع القلق وابدأ الحياة» و«كيف تتعامل مع الناس؟» وغيرها لاقت انتشاراً منقطع النظير وإعجاباً من القراء هي كتب لا يضاهيها أي كتب في هذا الفن والسبب أن المؤلف لا يذكر القاعدة دون أن يدرج لها مجموعة قصص تؤيد فكرته وبأسلوب أدبي رائع مثير.
بدأت أقرأ كتب (دايل كارنيجي) وأنا في سن العاشرة وأعجبت بها أيما إعجاب! وما زلت أعجب بها وأعيد قرأتها بين حين وآخر. أخذت أبحث عن سر إعجابي بهذا المؤلف المبدع. لمعرفة هذا السر نستعرض مثالاً من كتاب «كيف تتعامل مع الناس؟».
عنوان الفصل الأول: «جد نفسك، كن نفسك» أتصور أن العنوان نصيحة معروفة وبسيطة ولكن المؤلف يجعل هذه النصيحة ذات شأن وأهمية، ويجعل من العنوان عتبة يصعد عليها القارئ إلى مدينة النجاح في الحياة.
يبدأ كتابه بسرد قصة مباشرة واقعية، والقصة بطبيعتها تدفعك لمتابعة تسلسل الأحداث. القصة قصة امرأة تعيسة تعيش حالة خجل وانطواء دفعتها الى التفكير في الانتحار، أثناء السرد يطل المؤلف برأسه ليدفع القارئ للمتابعة، بعبارة: «فما الذي حدث ليغير حياة هذه المرأة التعيسة؟ ملاحظة سمعتها صدفة!»
هذه الملاحظة (أن تكون نفسها) أي بطبيعتها وتلقائيتها.
الفكرة التي تحاك حولها خيوط الأحداث لتصل الى العقدة «التفكير في الانتحار» عندها يبدأ الحل لتفكك خيوط العقدة وذلك بالعمل بنصيحة «كن نفسك». يضع بعدها عبارة جميلة ليؤكد أنها الحل لمشاكل البشرية منذ القدم: «هي قديمة قدم التاريخ».
ثم يورد قولاً لأحد الكتاب ويبين أنه: «كتب ثلاثة عشر كتاباً وآلاف المقالات الصحفية» أعتقد أن هذه العبارة هامة لأن القارئ يهمه عندما يسمع توجيها أن يعرف لمن يسمع أي قبل معرفة: ماذا يقول؟ من يقول؟
بعدها يذكر قولاً لأحد المنتجين ويذكر أنه «أشهر المنتجين في هوليود» هذا المنتج يبين أن الممثل الذي يتقمص الأدوار ينبغي عليه أن يتصرف بشخصيته «لا يحاول أن يكون نسخة لممثل مشهور آخر».
ثم يسرد قصة أخرى: هناك «فتاة هي ابنه لأحد السائقين.. تتوق لتصبح مطربة. ولكن وجهها كان سبب تعاستها، ففمها كبير وأسنانها بارزة».
المؤلف يكشف بساطة وضعها الاجتماعي الاقتصادي فهي ابنة لسائق ويضع المجهر على قبحها الذي دفعها للخجل والتصنع وإخفاء معالم عيبها عند مواجهة الجمهور، ولكن بعد ذلك يجعل منها «من ألمع نجوم السينما والإذاعة» ومفتاح دخولها عالم الشهرة أنها أخذت بالنصيحة.
ويورد خبراً علمياً يأتي بحقيقة علمية عجيبة: «عندما التقى والداك وتزوجا، كان هناك فرصة بين 300000 بليون أن تكون الشخص الذي ستكونه! بمعنى آخر، انه كان لديك 300000 بليون أخ وأخت، لابد ان يكونوا مختلفين عنك فهل هذا مجرد تخمين؟ كلا، بل إنه حقيقة علمية».
ويذكر قصة تتعلق به وتأليفه كتابه «فن الخطابة» في نفس الفصل الثامن الجميل ان تظهر شخصية الكاتب لقرائه ليوضح أن السر في نجاح كتابه أنه لم يستعر الأفكار من الآخرين.
ثم يذكر (دايل كارنيجي) قصة شاب مؤلف تحول الى أشهر المؤلفين الأميركيين في عهده.. وممثلة ريفية شابة أصبحت من ألمع نجوم الإذاعة، بعد هذا السرد المكثف لقصص وشواهد وحقائق واقعية علمية يسجل القاعدة: «لنحاول أن لا نقلد الآخرين. لنكتشف أنفسنا ونكون أنفسنا».
أروع ما في أسلوبه الإقلال من الكتابة الوصفية والإكثار من الكتابة التمثيلية، والبدء من الأمثلة إلى استنتاج القاعدة.
* مدير إدارة مدينة الملك سعود
|