عندما نقرر أن نعبر بحر الحياة بقاربنا الصغير الذي لا يكاد يحمل سوانا لمواجهة أقدارنا المجهولة يجب أن يتبادر إلى أذهاننا أن رحلتنا ستكون صعبة وقاسية نمر من خلالها بمناظر تسحر أعيننا ببهائها وروعة جمالها كمنظر غروب الشمس خلف أمواج البحر الهادئة وتلاشيها عن مدى نظرنا في وسط البحر وكمنظر مرور سرب الطيور وعبورها من فوق البحر ومن فوق هامات رؤوسنا متحدةً مع بعضها البعض مصورةًَ لنا أروع الأمثلة في التعاون والاتحاد متخطية بذلك كل العقبات والمعوقات بكل عزم وقوة لتصل إلى مرادها وكمنظر الطفل البريء على شاطىء البحر الذي لم يكمل من مشوار الحياة سوى بضع سنوات تداعب أنامله الناعمة الصغيرة أمواج البحر الدافئة، كل هذه المشاهد وغيرها من مثيلاتها ترسم الابتسامة على شفاهنا وتملأ قلوبنا ونفوسنا بالأمان والاطمئنان، لكن عندما يغطي الليل بسواده الكالح أنحاء بحرنا ويرسم كل ملامح الخوف والحذر على وجوهنا وعندما تهب العاصفة لتهز أركان قاربنا وتبدأ أسماك القرش المفترسة بالدوران حول قاربنا الصغير منتظرةً اللحظة المناسبة لنهش لحمنا وتكشر الأمواج أنيابها في طريقنا لتقذفنا يمنة ويسرة بكل ما أوتيت من قوة لعلنا نستسلم لها ونسقط في قبضتها متجردة بذلك من كل رحمة وهدوء شاهدناه عليها قبل ذلك، عندها لا بقاء إلا لمن عانقت عزيمته كبد السماء وصعد بقوة إرادته قمم الجبال أما غيره فهو غارق لا محالة.
|