Wednesday 8th october,2003 11332العدد الاربعاء 12 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
ملهاة الورق... مأساة الحقيقة!!
خيرية إبراهيم السَّقاف

كنت في طريقي إلى المحاضرة، وثمَّة من ينتظرني كي نبدأ «الحوار»، والحوار عندي مفتاح الطريق، هناك حيث أحرث، وأزرع، ومن ثمَّ أحصد. ويالفرحتي حين يكون موسم الحصاد...، وتلك العقول أينعت، والثِّمار نضجت.
كنت، في ذلك الطريق أشاكس حلمي وأتبسَّم...
ثلاثة رؤوس تدبُّ أفكارها بداخلها كالمرجل.. وقبلهن كثيرات... وغيرهن ست...
تعصف أفكارها كمَقْبَل الريح...
تنثر أفكارها كودْق المطر...
تنهمر أفكارها كالسَّيل...
تسع شجرات مثمرات.. الآن... ويصبحن حاملات لدرجة علمية كبرى (الدكتوراة) وأتبسَّم: مَلْهاةٌ، مأْساةٌ، مَهزَلةٌ، مُفْرحةٌ،مبكيةٌ، مُسْعدةُ...
تلك الانفلاتة الصَّاخبة في رغبة الحصول على (الدكتوراة)...!!
وأعود أتذكَّر ما سلف...
تستعيدني ذاكرتي لسنوات خلت...:
ورقة صغيرة، تمزقها يد طفل، حين يعبث الصغار، حين تنهض حقيقة أن لا شيء في الوجود أثمن من قيَم الوجود، والقيَم ليست ورقاً ولا مادة، ولا شيئاً ملموساً!!...
ورقة صغيرة، تمحوها قطرات ماء، عندما لا تدرك المياه في سطوة عبورها، ونزولها، وعسْفها ماذا يعني للإنسان أن يحتفظ بجفاف القلم مداداً مرسوماً لا ملموساً يشكّل له بعض دلالات من أسماء وأرقام وأوصاف!!...
وأتبسَّم
ذلك اليوم كنت في مراحل دراستي البَدْء، وجريدة الجزيرة تنشر لي مقالاً طويلاً تحت العنوان ذاته: «الورقة التي تمزقها يد طفل، وعندما تسقط عليها المياه تمحوها».
ذلك اليوم، وأنا أكتب ذلك عن الشهادات الجامعية في حمّى التَّدافع على بريقها... انبرى «فيصل الشهيل»، كان رئيس تحرير الصحيفة كما أتذكر، قال «إنَّ هذه الفتاة تبالغ...!! دعونا نرى ما الذي ستفعله حين تحمل الشهادة الجامعية؟!».
الشهادة... الجامعية؟!
الآن...
وصدى هذه الحروف لايزال في ذاكرتي... أتطلَّع إلى هذه الرؤوس التِّسعة تنظر إليّ عيونٌ فيها، والحوار يبدأ... أصواتٌ تدكَّ سمعي...، هديرٌ من المعلومات، دهاليز إلى الوعي، مفازات إلى الطموح... حروفٌ منطوقةٌ تتقاطر نحو أذنيَّ،
تختلط بحروف مقالٍ قديم... حين كانت غاية طموح القوم: الحصول على الشهادة الجامعية!!
أتذكَّر...
أقارن...
دبلوم/ بكالوريوس/ ماجستير/ دكتوراة... /....
مسمَّيات متفاوتة...
مستويات متفاوتة...
فجوات...
يا اااااهـ
مشوار طويل... ليس أطول من مشوار المسافة بين مقعدي، ومقاعد التِّسع، في حجرة تكتظَّ لا تزيد عن ثلاثة أمتار في مثلها...!
ويبدأ الحوار...
وداخل رؤوسهن أتخيَّل حلماً... حواراً خاصاً: «متى نفرغ، متى نحصد درجة الدكتوراة» غاية المطمح... وداخل رأسي حوارٌ خاص: «أيَّ درجة، الورقة؟
أم القيمة؟»...!
وأعود أتذكَّر: أين، وضعت وثيقتي؟....
بالتأكيد أنَّ أحداً لا يحملها وهو يتنقَّل..؟!!!
تبسَّمت: ربَّما وضعتها في مكان ما، ربَّما مزقتها يد طفل، ربَّما عبثت بها قطرات ماء... ربَّما...!!
بدأ حوارهن...، بدأت أتلقى أصواتهن: ثمَّة تفرَّد في الرأي، ثمَّة عمق في الفهم.. ثمَّة كلام خلف تبسُّمك: سألت إحداهن...
قلت لها: لنصغ...
قالت: لما نقول؟
قلت: لما لا يمكن أن تحصده الأوراق، ولما لا يمكن أن تمزقه يد طفل، أو تمحوه قطرة ماء...

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved