هل يصيب الولايات المتحدة الأمريكية بسبب حربها في العراق ما أصاب الاتحاد السوفيتي بسبب الحرب في أفغانستان وورطة العسكر السوفيتي بعد تدخلهم واحتلالهم لأفغانستان إنقاذاً لرفاقهم الشيوعيين فغرقوا في المستنقع الأفغاني وأغرقوا معهم الأفغانيين الذين سقطوا ضحية «لعبة الحرب الباردة» هم وبلدهم، حيث تحولت أفغانستان في زمن الاحتلال السوفيتي وبعد طرد القوات السوفيتية إلى «مصنع لتفريخ الإرهابيين». فبعد اندفاع عشرات الآلاف من الشباب المسلم للجهاد إلى جانب الأفغان تحوَّل هؤلاء الشباب إلى قوة مسلحة تخضع لتوجهات أيدلوجية ضمن توجهات دينية مسيسة، وبعد انتهاء الهدف الأساسي وهو تخليص أفغانستان من الاحتلال السوفيتي، تحوَّل الشباب الذي حارب مع الأفغان إلى طرف مقاتل رجح تيار فكري أفغاني على غيره من التيارات الأخرى، وهذا ما نتج عنه تيار متطرف شكَّل غطاءً وعباءة لنظام انتهج العمل الإرهابي للتغيير.
التجربة الأفغانية وما أفرزته من نظام متطرف وجماعات لا تزال تشكِّل تهديداً وخطورة تظهر بداياتها بوضوح في العراق، فالاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق وسقوط النظام المركزي وانتشار الفوضى وتوجه العديد من الشباب المسلم لمحاربة قوات الاحتلال هناك يكرر نفس البدايات التي حدثت في أفغانستان سواء من حيث الظروف الموضوعية والفكرية والمادية، فالعراق الآن يكاد يكون بلا سلطة مركزية والجماعات المسلحة سواء من مقاتلي النظام السابق الذين يمتكلون أسلحة كثيفة والذين انضم إليهم عشرات الآلاف من الشباب الذين توجهوا للعراق في بداية الغزو الأمريكي - البريطاني وهؤلاء توصلوا إلى تفاهم وفي طريقهم إلى نسج تحالف ما بين عناصر النظام العراقي السابق، ومعتنقي فكرة الجهاد نتيجة قناعات هي امتداد للفكر الذي نما وترعرع في أفغانستان. ومثلما نسج الأفغان العرب تحالفاً في البداية مع قوات تحالف الشمال الأفغانية ثم انقلبوا عليهم بعد تشكيل حركة طالبان، فإن الجماعات الإسلامية والعربية الآن في العراق في طريقها إلى إقامة تحالف مع العناصر الموالية للنظام السابق كمرحلة أولية لاستيعاب كل العناصر الراغبة في قتال الأمريكيين وحلفائهم، وهذا يمهد إلى «مصنع جديد» آخر بدلاً من المصنع الأفغاني، وهنا يظهر المأزق الأمريكي بوضوح، فهم يحاولون مواجهة التحول الذي يجري بوتيرة متسارعة في العراق وتحول «المقاومة العراقية» إلى «جهاد»، وهنا تفرز المواجهة مزيداً من مشاعر العداء ضد أمريكا، مثلما كان يوصم به الاتحاد السوفيتي أثناء احتلال أفغانستان، وهذا ما سيفرض على أمريكا إما التورط في المستنقع العراقي أكثر فأكثر مما يمد من فترة بقاء قواتها إلى فترة طويلة وإما التعجيل بإيجاد مخرج يحفظ ماء وجهها بتسليم الحكم للعراقيين بعد استكمال الخطوات التي تتيح تسليم السلطة بصورة سليمة، وهذا ما يفسر السعي الحثيث للإدارة الأمريكية لحث العراقيين على إعداد دستور يمهد لإنهاء ورطة الأمريكيين... وغداً نستكمل..
|